للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

١١٥٢٨/م- إذا هادن الإمام على الترتيب الذي ذكرناه على مدةٍ لضعفٍ بالمسلمين، فيجب الوفاء وإن تقوّى المسلمون.

فإن خانوا، وأتَوْا بما يخالف العهد، وعلموا ذلك (٢)، فقد انقضت المهادنة، فنسير إليهم، ولا نُعلمهم.

وإن فعلوا ما تُنتقض المهادنة به، ولم يعلموا أن العهد ينتقض به، فلا حاجة إلى علمهم، ولكن هل يجوز المسير إليهم من غير إعلامٍ؟ فعلى وجهين.

ولو استشعر الإمام منهم تهمة الخيانة، ولم يتحقَّقها، فله أن ينبذ إليهم عهدَهم، بخلاف ما إذا بدت تهمة من أهل الذمة؛ فإن الأصح أنه لا يجوز نبذُ العهد إليهم.

ولو بدت خيانة من بعضهم، وسكت آخرون، ولم ينكروا، فللإمام أن ينبذ إليهم العهد؛ هكذا كانت قصة أهل مكة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هادنهم، وكان بنو خزاعة مستجيرين برسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوثبت عليهم طائفة من أهل مكة وقتلوهم، والباقون سكوت، فسار النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ... (القصة). وسكوت الساكتين مع التمكن من الرد على الخائنين ينزل منزلة التهمة، أو هو أظهر منها.

وفي هذا الآن مزيد نظر؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم، ولم يُعلمهم ودعا الله أن يطمس أخباره عليهم، فانحسمت الأخبار عنهم وصارت مكة على أهلها كالوطيس (٣) حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرّ ظهرانَ، وظاهر هذه الحالة أنه أراد أن يتغفلهم، ثم جرت قصة لأبي سفيان وحكيمِ بنِ حزام، فظاهِرُ سير الرسول صلى الله عليه وسلم دالٌّ على أنه أراد أن يفاجئهم، وهذا فيه إشكال من جهة


(١) في (هـ ٤): فرع مكان (فصل).
(٢) أي وعلموا أن العهد ينتقض بذلك الذي أتَوْه.
(٣) الوطيس: من وطس الأرض: أي أحدث فيها حفرة (المعجم)، فالمعنى أن أهل مكة صاروا كأنهم في غيابة الجب لا يدرون ما حولهم.