للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعاقب (١)، فجرت مخاطبة المكلفين على أقدار حظوظهم وأغراضهم، كذلك (٢) الجارحة وإن كانت لا تنطوي على قصد الإمساك على الصاحب، فإذا حضل بتأديبها من فعلها ما يحصّله ذو العقل القاصد إلى تحصيل مراد الآمر، سُمّي ذلك إمساكاً عليه.

١١٥٣٣ - ثم يتنشأ من هذا مأخذٌ في الفقه واقعٌ، وهو أن الذبح مبناه على قصد الذابح -كما سنعقد في ذلك فصلاً- إن شاء الله تعالى- والصُّيود الأيّدة لا تنالها آلات الذابحين على اختيار، فمهد الشرع آلاتٍ تنالها على شِرادها، كالنشاشيب وغيرها، وكأن السرَّ فيه أن ارتياد (٣) المذبح محمول على سفك الدم بأسهل الطرق، وأَوْحاها (٤) وأنجزها؛ رفقاً بالذبيحة، فإن شردت، لم يعارض فواتُها طلبَ الرفق بذبحها، وكان إدامةُ [الانتفاع] (٥) بها أليقَ بمحاسن الشريعة من المصير إلى فواتها إلى أن يُقْدر عليها.

ثم الرمي يتخصص به من يحسنه، وذلك في أفراد من الناس، فأثبت الله تعالى في


(١) معنى العبارة أن الرحمة في جانب الإله -جلّ وعلا- ليست على حقيقتها، من الرقة والميل، وإنما هي منه سبحانه الإنعام والجزاء. وكذلك الغضب ليس على حقيقته في ذات الله، فليس هو التهاباً وتلظياً، وإنما غضبه سبحانه عقوبته. هذا هو معنى العبارة، والإمام في هذا جارٍ على مذهب الأشاعرة في التأويل.
(٢) أما مناسبة هذا الكلام -بيان حقيقة الرحمة والغضب في جانب الإله سبحانه، ووجوب تأويلهما- مناسبة هذا الكلام أن الإمام يضربه مثلاً، لوجوب تأويل ما يأتي من النصوص مخاطباً المكلفين على قدر حظوظهم وأغراضهم، فكما وجب تأويل نصوص الرحمة والغضب، فكذلك يجب هاهنا تأويل نصوص الإمساك على الصائد والصيد له. والله أعلم.
(٣) ارتياد: أي طلب وقصد المذبح، ووجوب الذبح منه.
(٤) أَوْحاها: أسرعها، وأيسرها في الإجهاز على الذبيحة وأرفقها بها.
(٥) في النسختين: الامتناع. والمثبت تصرف من المحقق رعاية للمعنى والسياق. وقد يشهد لهذا الاختيار كلام الغزالي في البسيط، وهو مأخوذ من كلام إمامه، قال: " ... وهذا لسرٍّ، وهو أن الحيوان يحلّ بذبح الذابح وقصده، دمانما يذبح بآلته، ولا تنتهي كل آلة إلى الصيد، وعظُم تفويت لحمه على الآدمي، فجُوّز أن يقصد بآلةِ الحيوانات، وشُرط أن يصير الحيوان معلَّماً ليكون في معنى الآلة، ولما كان الاسترسال بالإيساد (أي الإغراء كما سيأتي) والانكفاف بالزجر من طباع الحيوانات، شُرط على خلاف طبعه أمرٌ ليتبين أنه صار آلة، وهو الكف عن الأكل ". (ر. البسيط: ٦/ورقة رقم ٥ يمين).