للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد نحوَجُ في المضايق (١) إلى نقل مذاهب العلماء. قال أبو حنيفة (٢) رضوان الله عليه: المانع من الإجزاء قطع الثلث، واعتبر أبو يوسف رحمة الله عليه النصفَ، ويترتب مما نبهنا عليه أن النظر إلى الأذن لا يجري مجرى النظر إلى العجفاء، والعرجاء، والعوراء، لما أشرنا إليه من وقوف النهي عن علي رضي الله عنه وأرضاه، ثم تحصّل من مذهبنا أن المقدار الكبير بالإضافة إلى الأذن [إذا أبين] (٣)، مَنَعَ الإجزاء، وهذا ينقدح فيه مسلكان صرح بهما الأئمة: أحدهما - النظر إلى اللحم، وفي هذا سرٌّ، وإن كنا لا نرتضي هذه الطريقة، فإن قائلاً لو قال: لو قطعت فِلقة على حجم الأذن من عضو كبير، فقد لا يؤثر ذلك في المنع من الإجزاء على ما سنصفه -إن شاء الله تعالى- فما الوجه في ضبط هذا؟ قلنا: كأن كل عضو مقصودٌ في نفسه، والأعضاء متفاوتة في الصغر والكبر، فهذا هو المعتبر، وإلى قريب منه أشار أبو الطيب بن سلمة.

ومن أصحابنا من راعى التحسين في الأذن؛ فإن العين تبتدر إلى الأذن من النَّعم ابتداراً ظاهراً، ولكن إذا حمل هذا على هذا المحمل، فاشتراط الحسن في الإجزاء بعيد، وإنما يليق بالاستحسان الاستحبابُ.

فإن قيل: من فصل بين القطعة الكبيرة والفلقة الصغيرة، فإلى ماذا يرجع؟ قلنا: لسنا نرى التحكم بمقدارٍ كما يعتاده أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم، ولكن مسلك الكلام في هذا عند القائل كمسلك الكلام في الفرق بين اليسير والكثير في دم البراغيث، وما يتطرق العفو إلى اليسير منه، وأقرب العبارات أن نقول: كل نقصان يلوح على البعد، فهو مانع، وكل نقصان لا يلوح على البعد، فليس مانعاً.

ونقل الأئمة اختلاف نصٍّ في التي لا أذن لها، وهذا عند ذوي التحصيل ليس تردُّدَ قول وتمثيلَ مذهب، ولكن إن كانت البهيمة صغيرة الأذن، وكانت أذنها لا تعدِم


(١) في الأصل: " الضائقة "، والمثبت من (هـ ٤)، وآثرنا لفظها على لفظ الأصل -مع صحته- لأنه هو المعهود في كلام الإمام.
(٢) ر. مختصر الطحاوي: ٣٠٣، المبسوط: ١٢/ ١٥، ١٦، تكملة فتح القدير: ٩/ ٥١٥.
(٣) في الأصل: " أو العين ".