واختيار المزني أنه يقلد، وقد استدل بنص الشافعي؛ حيث قال:"ومن خفيت عليه الدلائل، فهو كالأعمى" فقد جعل الشافعي فيما ظنه المزني من خفيت عليه الدلائل كالأعمى، والأعمى يقلد، فليقلد من خفيت عليه الدلائل. فقيل له: لا يمتنع أن يكون المعنى من تشبيهه بالأعمى أن يصلي كيف يتفق، كالأعمى الذي لا يجد من يقلده، فإنه يصلي لحقِّ الوقت كيف يتفق، ثم يقضي إذا وُجد من يسدّده.
ووجه من لا يرى التقليد: أن البصير إذا توقف لحظة، لم يخرج عن كونه عالماً بالأدلة، والفترات قد تطرأ، والقرائح قد تتبلّد، فلو قلّد، لكان عالما مقلداً عالماً.
ثم الاختلاف الذي ذكرناه، في ضيق الوقت، وخشية الفوات، فأما إذا أراد أن يقلد أول الوقت، أو وسطه، فلا سبيل إليه؛ إذ لا حاجة، والتقليد إنما يقام مقام انقطاع النظر عند الحاجة.
فإن قيل: إذا جوّزتم إقامة الصلاة بالتيمم في أول الوقت -مع العلم بأن المسافر قد ينتهي إلى الماء في آخر الوقت- فهلاّ جوّزتم التقليد في أول الوقت؛ لإدراك فضيلة الأولية؟
قلنا: إنما جوزنا التيمم على قولٍ؛ من جهة أن الماء في مكان التيمم مفقود، وأما إذا توقف العالم، فهذا تردُّدٌ من ناظر، فلا نجعل هذا بمثابة عدم العلم والنظر رأساً، وفي المسألة -على الجملة- نوع احتمال.
ثم إذا جوزنا له أن يقلد، فقلَّد وصلى، صحت صلاته، ولا يلزمه القضاء؛ فإنا نزّلناه منزلة الأعمى في تقليده.
وإن قلنا: ليس له أن يقلد، فقد قال شيخي: يصلي على حسب حاله، ثم إذا انجلى الإشكال، يصلي ويقضي (١).
ويحتمل أن يقال: يقلد ويصلي بالتقليد، ثم يقضي إذا زال الإشكال، ويكون هذا بمثابة ما إذا تيمم في الحضر عند عدم الماء فيه، فقد نقول: يلزمه القضاء، ثم
(١) أي يصلي ويقضي ما صلاه على حسب حاله، قبل انجلاء الإشكال.