للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التصدق به إذا تصرفنا في الاستحباب، وإذا أوجبنا التصدق بمقدارٍ، فالصدقة على محتاج.

١١٦٢١ - ثم في بقية الفصل ثلاثة أشياء ببيانها يتم الغرض: أحدها - أنه لو وَهَب من غني شيئاً من الضحية هبة تمليك حتى يتصرف فيه المتهب بالبيع، [وما يراه] (١) الملاك، فالذي يظهر لنا أن ذلك ممتنع؛ فإن الهبة ليست صدقة، والضحية ينبغي أن تكون مرددة بين التطعّم والإطعام، وبين الصدقة. فكأن الأغنياء ضيفان الله على لحوم الضحايا، وللفقراء حظ من الصدقة على وجه، والضيف لا [يوهب] (٢)، ولكن يطعم.

ولو أتلف المضحِّي شيئاً من اللحم، وقال: إذا كان لي أن آكله، والأكل إتلافٌ، فَلِي أن أُتلفه، فالذي نراه أنَّ ذلك لا يسوغ؛ فإن المضحّي موسَّعٌ عليه في الانتفاع بالضحية، وليس مخيّراً بين الانتفاع والإتلاف. ولو جاز هذا، لكان جوازُ البيع أقربَ منه.

وأما التصدّق، فلست أعرف خلافاً أن تمليك الفقير اللَّحمَ تصدُّقاً عليه جائز، ويشهد له قصة بريرة إذ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بُرْمةً تفور، فقدم إليه خبز قفار، فقال عليه السلام: " ألم أر البرمة تفور باللحم؟ فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها صدقة على بريرة، فقال: " هو عليها صدقة، ولنا منها هدية " (٣).

ولو أصلح الطعام ودعا إليه الفقراء وأضافهم من غير تمليك، فقد تمهَّد من أصل الشافعي أن إطعام المساكين في قوله عز وجل: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤]،


(١) في الأصل: " وما لا يراه " والمثبت من (هـ ٤) و (ق).
(٢) في النسخ الثلاث: لا يهب. والأصل أن الفعل وهب يتعدى لمفعوله الأول باللام، ولا يتعدى إليه بنفسه: تقول: وهبتُ لزيد مالاً. ولا تقول: وهبت زيداً مالاً. ولكن الفقهاء يقولونه. (المصباح) وعليه جاز لنا أن نقول: الضيف لا يوهب لحماً ولكن يطعم.
(٣) حديث " هو عليها صدقة، ولنا منها هدية " متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه (البخاري: الهبة، باب قبول الهدية، ح ٢٥٧٧، والزكاة باب إذا تحولت الصدقة، ح ١٤٩٥، مسلم: الزكاة باب إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم، ح ١٠٧٤).