للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في بطنها بغلة، فمنع ذبحها (١)، وهذا محتمل. وما ذكره رضي الله عنه ظاهر.

١١٦٤٠ - فإذا نجز هذا، خضنا بعده في تفصيل مقصود الباب، فنذكر الضرورة التي يجوز استباحة الميتة بسببها، ثم نذكر ما يستباح عند الضرورة، فلا خلاف أن الحاجة لا تكفي، والجوع المفرط، وإن انتهى إلى السغب لا يبيح المحرّمَ، وأطلق الفقهاء الضرورة، وفسّروها بخوف الموت، وهذا التفسير مستقيم حسن، ولكن الغرض لا ينكشف بهذا المقدار.

وقد فصَّل المحققون على وجه آخر، فقالوا: إن كان يخاف من ترك الأكل الموتَ، أكل، وإن كان يخاف من ترك الأكل مرضاً يخاف منه الموت لا لطوله ولكن كان جنسه مخيفاً، فيسوغ أكل الميتة، وإن كان يخاف من ترك الأكل مرضاً طويلاً، ثم طولُه وتماديه يفضي إلى الخوف، ففي استباحة الميتة -والحالة هذه- قولان، وهذا ترتيب حسن.

ويخرج من مجموعه أنا لا نشترط العلم بالموت لو ترك الأكل، بل غلبة الظن كافية، والدليل على ذلك أن المكره على أكل الميتة يأكلها إذا ظن وقوعَ ما به التخويف به، ولا يشترط أن يعلم هذا، فإنه لا مطلع على الغيب. وجملةُ جهات الإكراه مستندها ظنٌّ غالب.

فخرج منه أنه إن ظنّ الموت، أو ظنّ مرضاً يظن منه الموت، فيستحلّ، وإن خاف مرضاً طويلاً والخوف في طوله، فليس الخوف هاجماً، وإذا طال المرض، لم يبعد علاجه، وإنما المخوف الأمراض الحادة.

ولا حاجة مع ما نبّهنا عليه إلا إلى مزيدٍ به التمام، فنقول: لا يشترط أن ينتهي إلى حالة يكون فيها مشرفاً على الموت؛ إذ لو أشرف عليه، لم ينعشه الطعام، ولم ينجع فيه ما يتعاطاه، فينبغي أن نبيح له الأكل وهو على حالة لو أكل [لاستبلّ] (٢) وانتعش،


(١) وجه الإلزام أن الرمكة مأكولة، ولكن البغل الذي في بطنها غير مأكول، ففي ذبحها إتلافٌ لما في بطنها. فالتزمه الشيخ أبو محمد، ومنع ذبح الرمكة التي في بطنها بغل.
(٢) في النسختين: " لاستقلّ ". والمثبت من المحقق على ضوء المألوف من عبارات الإمام، والمناسب للسياق.