للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإبعاد- وجهان: أحدهما - الجواز؛ فإنه من الأغراض الظاهرة عند الرماة، ومن يطول أمدُ سهمه يتوصل إلى إيقاع السهم في القلاع، وإيصاله إلى مواقف الكفار وإن بعدت، وهذا ظاهر. والثاني - المنع؛ فإن التعويل على الإصابة، وإذا كان لا يتجرد إليها قصدٌ، فلا تعويل على السهم بعُد أو قرُب.

ثم إن صححنا المعاملة على هذا الوجه، فالوجه الذي أراه أنه يجب أن يستوي القوسان في الشدة، فإن التفاوت في الشدة في القوس يجر تفاوتاً عظيماً في القُرب والبُعد يخفى معه الخُرق والدراية، ويجب أيضاً اعتبار خفّة السهم ورزانته، وينتهي الأمر عند المضايقة إلى اشتراط الرماة الرمي عن قوس واحدة بسهم واحد، فإنَّ القوسين قد يتساويان في الشدة، وإحداهما تفضل الأخرى في الحدة فضلاً لا ينكر، وبالجملة امتنع من امتنع من تصحيح هذه المعاملة لما يتطرق إليها من الجهالة، ولم يشترط أحد في المناضلة على إصابة الغرض التساوي في شدة القوس. نعم، إذا أفرطت شدة القوس وجلس صاحبه على مسافة تليق بقوسه، فقد يقع صاحب القوس اللين في مثل هذه المسافة على حد البعد في الفوز، ويتصل إذ ذاك بالخلاف المذكور فيه.

ومما يجب التنبه له في طباع النُّضَّال (١) أنه يتفق فيه أمور [بعيدة] (٢) عن التوقع، ولا يجري مثلها في التسابق؛ فإن البرذون البليد لا يسبق الفرس العربي النجيب، إلا عند فرض نكبة في الجواد، وقد يَفْضُل الأخرقُ في الرمي الماهرَ به، فهذا مما يجب أن يكون على الذُّكر والبال.

ومما أنشأه الأئمة من ذلك أنهما لو تناضلا على سهم واحد على أن يرمي كلّ واحد منهما فردة، فالأصح الصحة، وقال بعض أصحابنا: لا يصح ذلك، لما أشرنا إليه


=يقال فيه بالعربية: غلا بالسهم غلوة إذا رمى به بقدر ما يقدر عليه " هكذا ضبطها وفسرها ابن الصلاح في مشكل الوسيط، وقال: إنها أشكلت على مَنْ لا يعرف الفارسية، ثم هي تعرّب بالفاء في أولها، فيقال: (الفرتاب) (الوسيط: ٧/ ١٨٩).
(١) الضبط من (هـ ٤).
(٢) في الأصل: " بديعة ".