كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب

كتاب الأيمان - باب الصيام في كفارة الأيمان - ج: 18 - ص: 319

مالك (١) لما أوجب التتابع في القضاء، مَصيراً إلى أن التتابع مرعيٌّ في الأداء، والقضاءُ تِلوه؛ لأن ما تخيله في الأداء تتابع الزمان، لا تتابع [معتبراً] (٢) شرعاً؛ بدليل أن من أفسد اليومَ الأخير لم يفسد صومه فيما مضى.

هذا بيان القولين.

فإن لم نشترط التتابعَ، فلا كلام، والخِيَرةُ إلى الصائم، وإن شرطنا التتابع، فقد قدمنا في كتاب الظهار ما يُبطل التتابع قولاً واحداً، وما لا يبطله، وما اختلف الأصحاب فيه: كالمرض والسفر، ونحن نقول هاهنا: ما يقطع تتابع الشهرين فهو بأن يقطع تتابع الصيام في الأيام الثلاثة أولى؛ فإن إيقاع الأيام الثلاثة بعيدةً عن أسباب القطع ممكن، وإن كان قد يتعذر في الشهرين.

وقد قطع الأصحاب بأن الحيض لا يقطع التتابع في الشهرين، واختلفوا في أنه هل يقطع التتابع في الأيام الثلاثة؛ والسبب في ذلك أنها تتمكن من تبعيد الأيامِ الثلاثة من نوبة حيضها؛ فإن لم تفعل، انتسبت إلى التقصير، والشهران لا يخلوان في الغالب في حق ذات الحيض من الحيض، ولعل الأصح أن الحيض يقطع التتابع؛ فإنها متمكنة من تخيّر أيامٍ لا يفرض فيها حيض، بأن تترك نوبتها من الحيض حتى تنقضي، ثم تصوم الثلاثةَ الأيام في مدّة لا يتوقع فيها معاودة الحيض.

وقد يتجه أن نقول: الحيض على هذا التقدير والتصوير أولى بقطع التتابع من المرض، وإن كان الحيض يقطع تتابع الشهرين وفي المرض قولان؛ فإن المتبع المعاني لا الصور.

...

---

(١) التتابع في الصيام في كفارة اليمين مستحب وليس بواجب عند مالك (ر. المدونة: ٢/ ٤٣، الإشراف للقاضي عبد الوهاب: ٢/ ٩٠٢ مسألة ١٨٠٠، حاشية العدوي: ٢/ ٢٣، الشرح الصغير: ٢/ ٢١٤، حاشية الدسوقي: ٢/ ١٣٣، الفواكه الدواني: ١/ ٤٢٩).
(٢) في الأصل: لا تتابع معنى شرعاً. وكذلك كانت (هـ ٤) ثم صوّبت إلى: " لا تتابع معتبراً شرعاً ".