للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو أنه قال: " من حلف لا يأكل اللحم، لم يحنث بلحم الحيتان، ومن حلف لا يأكل الرؤوس، لم يحنث بأكل رؤوس الحيتان والطيور ونحوها مما لا يفرد في العادة بالشيِّ والأكل " (١)، واسم الرأس في حقيقة اللسان ينطلق على رؤوس الحيتان والطيور، كما ينطلق اسم البيت على الخيام، والأخبية.

قال الشيخ القفّال: سمعت الشيخ أبا زيد يقول: " لست أدري على ماذا بنى الشافعي مسائل الأيمان؟ فإن كان يتبع الاسم اللغوي، وجب أن يحنَث من يأكل رؤوس الطير والحيتان، وإن كان الاعتياد لا يجري بإفرادها بالاكل، وإن كان يبني المسائل على العرف، فأصحاب القرى لا يعدون الخيام بيوتاً. وقد قال الشافعي: لا فرق بين البدوي والقروي ".

وقد حوم الصيدلاني على ما هو المقصود بعضَ التحويم، وإن لم يستكمل البيان، ونحن نسوق كلامه على وجهه، قال: " إذا كثر الشيء وتقاعد الاسم عنه، تبين أنه غير معني بالاسم في الوضع، وبيان ذلك أن لحوم الحيتان كثيرة في بلاد العرب، وهم لا يعنونها إذا ذكروا اللحم، فكان خروجها عن مطلق اسم اللحم غيرَ محمول على عزّة الوجود، بل هو محمول على أن اسمَ اللحم لم يوضع لها، وأما البيوت، فحيث تكثر الخيام والأخبية، فيفهم من إطلاق البيوت الخيامُ، فإذا ندرت في بقعة، فالاسم متناول، ولكن عدم البيوت والأخبية أو قلتها يخرجها عن القصد. هذا منتهى كلامه.

وخرّج عليه خبزَ الرّز قائلاً: لو حلف في بلاد طبرستان: والله لا آكل الخبز، حنث بخبز الرّز، ولو عقد اليمين في بلادٍ غيرها على الخبز، فيبعد أن يعني خبز الرّز.

هذا منتهى كلامه، وليس عرياً عن الفائدة وإن لم يشف الغليل.

١١٧٦٠ - والمقصودُ عندنا يبين ويتضح بأن نقول: ما لا يفهم من الاسم مع عموم وجوده كلحوم الحيتان، فيعلم أنه ليس معنيّاً، فلا يحمل عليه الاسم المطلق، وإن نواه الحالف، نزلت يمينه على نيته؛ فإن الرّب تعالى سماها لحماً، فقال عز وجل:


(١) ر. المختصر: ٥/ ٢٣٥.