للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأزال ملكه عن رقبتها، فإذا دخلها الحالف بعد زوال الملك، فظاهر المذهب أنه يحنث تغليباً للإشارة.

وقال أبو حنيفة رضي الله عنه (١): لا يحنث تغليباً لاعتبار الإضافة، وخرّج بعض الأصحاب قولاً موافقاً لمذهب أبي حنيفة، ووجهه أنه اعتمد الإشارة والإضافة، فكأنه ربط اليمين بهما، فلا يحصل الحنث بأحدهما، وناصر المذهب يغلّب الإشارة، ويجعل الإضافة معها كالتأكيد الذي لا يُعتنى به؛ من جهة أن الإشارة إذا اعتمدت وحدها فهي لا تزول والإضافة تتبدل وتزول.

وهذا الفصل مفروض في الإطلاق، فلو نوى الحالف اعتبارَ الملك والإشارة، فلفظه مُنزّل على نيته، ومسائل الأَيْمان مجراةٌ على الإطلاق؛ فإن جهات الاحتمال متسعة [إذا كنا نعتبر الظاهر] (٢)، ونكتفي بما نكتفي به في التّديين، ومسائلُ الباب تُخرَّج على قواعدَ، فإذا كانت منويّة، اتبعنا النية [إذا كنا نجد بين اللفظ] (٣) والنية ارتباطاً وإن كان على بعد، وإن لم يكن بين اللفظ وبين النية ارتباطٌ أصلاً، فلا تعويل على النية، وإن كان قد يطلق مثلُ ذلك اللفظ على بعد (٤) في التجوز، وهذا كقول القائل: والله ما ذقت لفلانٍ ماءً، فهذا قد يستعمله المُبَالغ وغرضه أني لم أذق له طعاماً، فلو كان أكل طعامه ولم يشرب له ماء، لم يحنث؛ فإن حَمْلَ الماء على الطعام ميلٌ عن صريح اللفظ، وإزالةٌ لحقيقته، وإذا لم يكن من اللفظ بد، فلا سبيل إلى تعطيل أصله.

وإن ذكر الحالف لفظاً له عرف عند أهل اللسان وعُرْفُ اللاّفظ خلافَه، فإن قصد تنزيله على عُرفه ينزل عليه، وإن لم يقصد تنزيله على عرفه، وتحقق أنه لم يقصد شيئاً، فهذا موضع التردد: فمن أصحابنا من اعتبر اللفظ وعُرفه، ومنهم من اعتبر


(١) وهو قول أبي يوسف أيضاً، وقولُ محمد وزفر كالشافعي، ر. المبسوط: ٨/ ١٦٥، مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٢٦٩ مسألة ١٣٧٩.
(٢) في الأصل: " إذا كنا لا نعتبر الظاهر ".
(٣) زيادة من (هـ ٤).
(٤) هـ ٤: " إبعاد ".