للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

قال: " ولو حلف ليأكلن هذا الطعام غداً ... إلى آخره " (١).

١١٧٨٢ - مقصود هذا الفصل يتعلق بالأصول التي مهّدناها في الإكراه والنسيان، فإذا قال: لآكلن هذا الطعام غداً، فلا يخفى تصوير وجهِ البرّ، فلو فرض تلف الطعام، أو تلف الحالف، نظر: فإن جاء الغدُ والطعام باق، والحالف متمكن، فأخّر الأكلَ، فتلف الطعامُ، أو مات الحالف -وفي النهار بعدُ بقية- فظاهر المذهب القطع بتحنيثه؛ فإنه تمكن من تحقيق البرّ فأخّر.

ومن أصحابنا من خرّج تلف الطعام وموت الحالف في أثناء الغد على خلاف الأصحاب في أن من أخّر الصلاة عن أول وقتها، ومات في أثناء الوقت، فهل يعصي، ووجه التشبيه أن الصلاة مؤقتة بوقت مُتّسع، والبرّ مؤقت أيضاً، فقرب مأخذ الكلام في المسألتين، والأصح عندنا القطع بالتحنيث، والصحيح الحكم بأنه لا يعصي بتأخير الصلاة إذا مات في أثناء الوقت، والفرق أن الأيْمان معتمدها اللفظ، والذي أخر عن أول وقت الإمكان يسمى من طريق اللفظ مخالفاً تاركاً للبرّ، والتأقيتُ في الصلاة مبناه على إثبات الفسحة والتخفيف، فاللائق به ألا نُعصِّي المؤخِّر.

ولو تلف الطعام الذي حلف على أكله غداً قبل مجيء الغد، فقد ذكرنا إجراء الأصحاب القولين في ذلك؛ فإن حكمنا بأنه لا يحنث -وهو الأصح- فإن الحنث إنما يتجه عند تصوّر البرّ، واليمين ليست معقودة على وعد غيبي، وإنما المقصود بها تأكيد الإقدام على أمرٍ، فالوجه ألا يحنث إذا لم يتصوّر البرّ، وإن قلنا: يتعلق الحنث بهذه الصورة، فمتى يحنث؟ في المسألة وجهان: أحدهما - أنه يحنث غداً، فإن اليمين مضافة إلى الغد، فكأن لا يمين قبله.

والثاني - أنه يحنث في الحال؛ لأن البرّ صار مأيوساً منه؛ فلا معنى [للتوقف] (٢)


(١) ر. المختصر: ٥/ ٢٣٢.
(٢) في الأصل: " التوقع ".