للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتَرَكَ المساوقَة، فأما إذا فرّ غريمه، وعجز عن مساوقته، فهذا يُخرّجُ على قَوْلَي الإكراه.

وهذه الطريقة مستهجنةٌ لا أصل لها، والمعتمد المسلكُ الأول، لما قدمناه.

١١٧٩٨ - ثم إذا فرعنا على الطريقة الأولى، فلو كان الحالف وغريمه يتماشيان مصطحبين، وصورة الحلف كما تقدم، فوقف الحالف، والغريم على سجيته في المشي، فقد نقل عن القاضي أنه يحنث بالوقوف في هذه الصورة، وليس كما لو كانا ساكنين في مكان، ففارق الغريمُ، واستدام الحالف السكونَ، وذلك لأن الحالف إذا سكن في المكان الذي كان فيه، فإنه ليس مستحدثاً صنفاً من الفعل يصير به منتسباً إلى الفراق. وإذا كانا يتماشيان، فوقف عن المشي، كان ذلك إحداثَ فعلٍ مؤثر في الفراق، فلا يبعد أن يسمّى فراقاً؛ فإن الواقف عن المشي قد يقول: كنت أماشي فلاناً، فوقفت، وفارقته، وقد لا يتحقق هذا فيه إذا كانا في مكان ساكنين فمشى أحدهما وسكن الثاني.

وهذا عندنا تخييل لا حاصل له، ولا يجوز أن يكون بين وقوفه عن المشي، وبين استدامته السكون في المكان؛ [فرقٌ] (١)؛ فإنه في الموضعين [تارك] (٢) مصاحبة الغريم مع التمكن منها.

ومما نفرعه على الطريقة الأولى أنه لو قال: " لا أفترق أنا وأنت أو نفترق ". فعقد اليمين على هذه الصيغة، ولم يقل: لا أفارقك، فإذا فارق الحالفُ، حَنِث، وإن سكن الحالف، وفارق الغريم، ففي المسألة وجهان: أظهرهما -وهو الذي لا يتجه غيره- أن الحالف يحنث؛ لأنه عقد اليمين على فعليهما، إذ قال: لا نفترق، ومكثه مع مفارقة غريمه يسمى افتراقاً، وعليه يخرّج قول الرسول صلى الله عليه وسلم في خيار المجلس: " ما لم يتفرقا "، فيجتمع في هذه الصورة ارتباط المحلوف عليه بهما، وتمكن الحالف من المصاحبة، ويتسق لذلك انطلاق (٣) اسم التفرق أو الافتراق.


(١) زيادة من المحقق. والحمد لله فقد صدقتنا (ق).
(٢) زيادة اقتضاها السياق. وقد صدقتنا (ق).
(٣) انتهى هنا الخرم الموجود في (هـ ٤).