للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٧٧٤ - ولم يتفطّن لحقيقة النيّة أحد من الفقهاء غيرُ القفّال؛ فإنه قال: "النيّة تقع في لحظة واحدة لا يتصور بسطها" وشَرْحُ ما ذكره ما أوردناه.

ولو حضرت العلوم قبل التكبير، ثم وقع القصد قبل أول التكبير، وخلا أول التكبير عن النيّة، فلا يصح ذلك عند أئمتنا.

٧٧٥ - وأبو حنيفة (١) يصحح هذا. وحقيقة الخلاف بيننا وبينه يرجع عندي إلى أمر أصولي: وهو أن من يرى تقدّم الاستطاعة على الفعل، فمتعلق القدرة عنده ليس عين الفعل (٢)، فعلى هذا متعلق القصد يتقدم على وقوع المقصود، كما أن متعلق القدرة متقدم على وقوع المقدور، ثم لا يجوِّز أبو حنيفة أن ينقطع تعلق القصد بغيره عن أول التكبير.

فهذا هو الوفاء ببيان حقيقة المذاهب في التقديم والاقتران. ثم فرعّ الفقهاء على هذه الطرق تفريعاتٍ مختلطة صادرة عن اختلاط الأصول.

٧٧٦ - فأمّا من قال بتقديم النيّة قال: يجب أن يكون مستديماً للنيّة جملةً، إلى الفراغ من التكبير. وهذا أيضاً قول من لم يحط بحقيقة النيّة.

وأنا أقول: من ضرورة تقديم النيّة أن تنطبق النيّة على أوّل التكبير، والمقدم هو المعلوم، ثم إذا حضرت العلوم، وقع القصد، فليس ما يدام نيّةً وإنّما هو ذكر النيّة، وذكْرُ النيّة علمٌ بأنها وقعت، كما وصفنا وقوعها. فإذاً هل نشترط دوام العلم بجريان النية إلى الفراغ من التكبير؟ فيه تردد للأئمة على هذه الطريقة: فمنهم من يشترط الدوام، ومنهم من لم يشترط، ولم يوجب أحدٌ بسطَ حقيقة النيّة.

وممّا يتم به بيان هذه الطريقة أن من شَرَط التقديم فإنما عَنَى تقديمَ العلوم -كما سبق شرحه- وبنى الأمرَ على مجرى العُرف فيه.

فلو قال قائل: لو هجمت العلوم والقصدُ مع أول التكبير، فلا شك أنه يجوز ذلك، لكن هذا لا يقع في مطرد العرف، فهذا تفريع هذه الطريقة.


(١) ر. بدائع الصنائع: ١/ ١٢٩، حاشية ابن عابدين: ١/ ٢٧٩. البحر الرائق: ١/ ٢٩٢.
(٢) ر. البرهان في أصول الفقه: ١/فقرة ١٧٦.