للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نص عليه الشافعي (١) هاهنا أنه لا يحنث، ونص في مسائل الاستثناء على أنه لو قال: لا أدخل الدار إلا أن يشاء زيد، فمات زيد ولم يدر أشاء أم لا؟ وكان دخل الحالف: قال الشافعي: يحنث.

واختلف أصحابنا على طريقين: منهم من قال: في المسألتين قولان بالنقل والتخريج والجامعُ الإشكال. ومنهم من أجرى النصين، وفرّق، فقال: إذا حصل الضرب، فالغالب الانكباس إن اكتفينا به، فوجدنا لوقوع المقصود أصلاً نتخذه مستنداً للظن، والتعويل في مسألة المشيئة على أن يشاء زيد، ولم يتحقق أنه شاء أم لم يشأ؟ والأصل عدم المشيئة، ولا مستند لما نظنُّ، [أما] (٢) مسألة المشيئة، فقد استقصيناها في موضعها من كتاب الطلاق، وذكرنا حقيقتها.

وأما هذه المسألة، فالنص فيها، [يقتضي] (٣) أنا نبني الأمر على حصول المقصود، فالوجه عندنا أن يقع الضرب على حالة يغلب على الظن حصولُ المطلوب فيها، فلو لم يغلب على الظن، فيبعد اعتقاد البِرّ من غير ظن.

ثم من جرى على النص، ولم يذكر قولاً آخر، لم يتوجه ما قاله بإسناد المقصود إلى ظاهر الضرب، وإنما يتوجه بظاهر كتاب الله تعالى إذا (٤) قال: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤]، فأثبت الضرب، ونفى الحنث؛ والمسألة مبنية على طرفٍ صالح من التخفيف والرخصة. وإذا كان المعتمد في ذلك الكتاب، فينبغي أن يقع الاقتصار على ما يُشعر به ظاهر الكتاب، فأما تعليل ذلك بالظن مع القطع بأن البر لا يتحصل في قياس الباب إلا بالقطع، فلا وجه له.

فإن قيل: إن كان كذلك فلم اشترطتم غلبة الظن؟ قلنا: لا أقل منها، والضغث إذا تحقق الضرب به وقضبانه لدنة لينة المَهْصَر والمِعْطف، فيغلب على الظن -إذا كان ما جاء به الحالف ضرباً، ولم يكن إمساساً محضاً- أن المقصود يحصل إذا كانت الآلة


(١) ر. المختصر: ٥/ ٢٣٧.
(٢) في الأصل: " أنها ".
(٣) زيادة من (ق).
(٤) إذا: بمعنى إذ. وجاءت (ق) بـ (إذ).