١١٨٥٤ - ونحن بعد ذلك نذكر نذرَ إتيان الحرم. فنقول: إن حكمنا بأن إتيان الحرم من غير نذر يوجب نسكاً، وقلنا: المطلق في النذر يتقيد بواجب الشرع، فإذا نذر الناذر إتيانَ مكة أو إتيان الحرم، يلزمه أن يأتيَ الحرم ناسكاً بحج أو بعمرة، وإن قلنا: ليس على من يأتي مكةَ إحرام، أو قلنا: الملتزَم بالنذر لا يتقيد بواجب الشرع، فكيف حكم النذر في هاتين الصورتين؟
أما الصورة الأولى - وهي إذا وقع التفريع على أن من يأتي مكة لا إحرام عليه، فإذا نذر إتيان مكة، كان كما لو نذر إتيان مسجد المدينة، أو مسجد القدس، وقد مضى التفصيل فيه. ولكنا إن أوجبنا هاهنا الإتيان، وفرّعنا على ضم قُرْبة إلى الإتيان، فمن أصحابنا من قال: تلك القربة حج أو عمرة، فإنهما يختصان بالحرم، ومن أصحابنا من قال: تلك القربة الصلاة؛ تعلقاً بالحديث الذي رويناه، ومنهم من خيّر، ولا يتجه ذكر الاعتكاف على التعيين؛ لأنه لا يختص. وإن سلكنا مسلك الاختصاص، فالنسك أخص، ولو ذكر ذاكرٌ الطواف المجرد لم يبعد، والمخيِّر يخيِّر بين النسك، والاعتكاف، والطواف والصلاة.
ولو عين بقعة من بقاع الحرم لا يتعلق به نسك كدار الخيزران ودار أبي جهل ونحوهما، فهو كما لو نذر إتيانَ مكة أو إتيانَ الحرم.
ولو قال: لله علي أن آتي بيتَ الله تعالى، فقد اختلف أصحابنا في المسألة: فمنهم من قال: لا يلزمه شيء؛ لأن هذا الاسم لا يختص بالكعبة، وكل مسجد يشار إليه، فهو بيت الله.
ومن أصحابنا من قال: يُحمل مطلقُه على الكعبة؛ لجريان العرف بإطلاقه والمراد به الكعبة، والأصح الأول.
ولو نوى بذكر بيت الله الكعبةَ، نُزِّل لفظُه على نيته، وكلامنا في اللفظ المطلق.
١١٨٥٥ - ولو نذر إتيان عرفة، فالذي قطع به أئمتنا في الطرق أنه لا يلتزم بهذا شيئاً؛ فإن عرفة من الحل، وليس في إتيانها قُربة، وإنما الوقوف بها ركن من عبادة، فذِكْرُ مكان ذلك الركن لا يُلزم شيئاً.