للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان " (١).

والغرض من الفصل أن كل معنىً يورث مللاً، أو حدّة في الخُلق، أو خللاً في البصيرة مانعاً من التثبت والتأمل، وتوفية الاجتهاد حقَّه، فلا ينبغي أن يقضي القاضي وهو به، كالجوع، والعطش، والمرض، والغضب، والحزن البيّن، فإن احتد احتداداً لا يمنعه من [الاستداد] (٢)، فإن كان احتداده لله تعالى، فهذا لا ينافي ما ذكرناه مع مَلْكه نفسه فيما يتعلق بحظِّه (٣)، وذكر الأصحاب في ذلك تغير رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الزبير بن العوام، إذ ارتفع إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع جارٍ له في سقي بساتين من وادٍ بالحرّة، وكان بستان الزبير أعلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اسق أرضك، ثم أرسل الماء إلى جارك "، فقال: ذلك أن كان ابن عمته، فتغيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ في الحديث أنه قال ذلك ولوى شدقه، فقال صلى الله عليه وسلم: " اسق أرضك حتى يبلغ الماء الجَدْر، ثم أرسل الماء إلى أرض جارك " (٤).

١١٨٩٢ - ثم قال: " وأكره له الشراء والبيعَ ... إلى آخره " (٥).

لا ينبغي للقاضي أن يتولى البيع والشراء بنفسه: لأنه لو فعل، فربما يحابَى استحياء منه، أو طلباً لاستمالة قلبه ليميل في حكمه. ولهذا المعنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر -وكان تصدق بفرس- فرآه معروضاً على البيع، فأراد


(١) حديث " لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان " رواه الدارقطني (٤/ ٣٠٦)، والبيهقي: (١٠/ ١٠٥ - ١٠٦) والطبراني في الأوسط (ح ٤٦٠٠ - ٥/ ٣٠٥). قال الحافظ: " وفيه القاسم العمري، وهو متهم بالوضع" (ر. التلخيص: ٤/ ٣٤٧ ح ٢٥٨٤).
(٢) في الأصل: " الاستبداد". وهو تحريف واضح.
(٣) أي بحظ نفسه، فلا يكون غضبه ثأراً لنفسه، وانتقاماً لها. فيدفعه ذلك إلى الزلل.
(٤) حديث " خصومة الزبير مع جارٍ له في سقي بساتين وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وهو غضبان " متفق عليه، وتقدّم في إحياء الموات.
(٥) السابق نفسه.