للتهم. وما ذكره الأئمة من الترتيب لائق ببني الزمان، والماضون -وإن لم يفعلوا ما ذكرناه- مهّدوا لنا بَذْل الاحتياط على أحسن الإمكان في كل زمان.
هذا قولنا في كَتْب الرقاع.
والتعرضُ للمدعي والمدعَى عليه والشهود لأقصى غايات الإمكان في الإعلان ركنٌ عظيم: أما الشهود، فكيف يبحث المزكي عنهم إذا لم يعلمهم؟ أما المدعي، فلا بد من إعلامه أيضاً، وقد يستبين المزكي بينه وبين الشهود حالة توجب ردَّ شهادتهم له، من أبوة أو شركة في الواقعة، أو ما جرى هذا المجرى، مما سنصفه في كتاب الشهادات، إن شاء الله.
وأما المدعَى عليه، فقد يدرك المزكي بين الشهود وبينه عداوة أو لدداً في خصومة يوجب مثلُها ردَّ الشهادة، فإن لم يقع التعرض لما ذكرناه، فالتعديل في الشهود يَثْبت، ولكن يبقى على القاضي نظرٌ فيما وراء التعديل من المعاني التي ذكرناها.
ومما قدمناه في المراسم ذكر مقدار الحق، وفي هذا فقه، فالذي ذهب إليه معظم الأئمة أن ذلك احتياط وليس باشتراط؛ فإن التعديل عندنا في اليسير والكبير على نسق واحد. وأبعد بعض أصحابنا فقال: لا يمتنع أن يزكي المزكي الشاهد في المقدار النزر، ويتوقف في المقدار الخطير؛ فإن المشهود به إذا عظُم خطره أَحْوَجَ إلى مزيد فكر. وهذا كتخصيصنا تغليظَ الأيمان بالأمور المُخْطرة والعظيمِ من المال، وهذا غير سديد، ولا لائقٍ بمعتبرنا الواضحِ وقياسِنا البيّن في طلب التعديل من الخبير ببواطن الشهود، وإذا كان كذلك؛ فلا معنى لاشتراط ذكر المدعَى. ولا يُنْكر كونُه احتياطاً.
فهذا نجار القول في التزكية. وقد اشتمل ما ذكرناه على المراسم أولاً، وبعدها تمهيد الأصول، وبعدها استدراك ما لم يندرج تحت ضبط الأصول برسم الفروع، وبعدها البحث المميِّز بين الاحتياط وما لا بد منه.