ثم قال العراقيون: لو شهد الشاهد بمجهول لا تقبل الشهادة بمثله، فالقاضي لا يرشده إلى الإعلام بالمساءلة والبحث؛ فإن هذا تلقينُ الحجة، ولو شبب المدعَى عليه بما يكاد أن يكون إقراراً لم ينبّهه القاضي، ولم ينهه، بل يتركه يسترسل في كلامه، ثم يقضي بموجَب قوله.
١١٩٢٧ - والمدعي إذا ذكر دعوى مجهولة لا يصح مثلها، فهل للقاضي أن يستفصل الصفات حتى يأتي بدعوى معلومة؟ فعلى وجهين: أحدهما - أنه لا يعرض له، بل يترك المدعي وشأنَه، فإن استتم الكلام مشتملاً على دعوى صحيحة، بنى عليها حكمها، وإن لم تصح دعواه، لم يقبلها.
ومن أصحابنا من قال: له أن يستفسر، وإن كان الاستفسار يؤدي إلى إرشاده إلى إعلام الدعوى- فإذا ادعى عشرة دنانير على إنسان، وقال يلزمه تسليمها إليّ، فالقاضي يقول: أي الدنانير؟ نَيْسابورية، هَرَوية، عتيقة، مكسرة، صحاح، أم البعض مكسر والبعض صحاح، فلا يزال كذلك حتى يأتي المدعي بتمام الإعلام، أو يقول: لا أدري.
وظاهر النص يميل إلى هذا الوجه، ووجهه أن الدعوى ليس بحجة، فالإرشاد فيها على صيغة الاستعلام غيرُ ضائر، ولا ينبغي أن يقول له القاضي: قل كذا وكذا، وكيف يقول ذلك، ولا علم عنده بصفة الدعوى، فإن انتهى الاستفصال إلى إزالة الإشكال، قرّت الدعوى، وإن وقف المدعي قبل تمام الإعلام، فالدعوى مجهولة مردودة.
هذا قولنا في إعلام الدعوى، فإذا أعلمها المدعي، فلا تُسمع دعواه ما لم يجعلها خصاماً.
وبيانه أنه لو قال: لي على فلان كذا، فهذا خبر، وليس بمخاصمة، وإنما تصير الدعوى مخاصمة، إذا قال: عليه كذا ويلزمه تسليمها إليّ، ثم تبيّن للقاضي أنه يبغي استيداءَها منه، ولو اقتصر على هذا القدر، ففيه نظر للفطن، يوضحه ما نذكره.