ولكن إنما ذكرته لما صدّرتُ الفصلَ به من أن القاضي لو لم يكن عالماً بالمقضي عليه مع التناهي في الإعلام من الشهود، لجاز، فقد يظن الظان أن الإعلام إذا لم يحصل واعترف الخصم المرفوع بأنه المعني كفى، وليس الأمر كذلك؛ فإن القضاء ليس إنشاءَ أمر، وإنما هو إظهارُ أمرٍ على ترتيب الشرع، فإذا لم يكن على الترتيب المرعيّ، فهو لغو، لا مبالاة به، وقد اتضح هذا الأصل، وهو الإعلام، ووجهه وفائدته.
ولو أقام الخصم المرفوعُ بعد تمام الإعلام بيّنة على مساواة ميت إياه في الصفات التي وصف بها، كفاه ذلك في صرف القضاء عن نفسه.
وقد تم مقصودنا في قسم من قسم في الدعوى على الغائب- وهو ادعاءُ دَيْن على غائب، ووضعُ نفوذ القضاء به.
١١٩٤٠ - فأما إذا سمع القاضي البينة على الغائب، ولم يقض بها، وكتب إلى قاضي الناحية التي بها الخصم المشهود عليه: إني سمعت البينة، ووكلت القضاء إليك، فقد قال الأصحاب: يجوز ذلك، واتفقوا عليه في الطرق، وأبو حنيفة (١) رضي الله عنه وإن منع القضاء على الغائب جوّز هذا.
وفيه إشكال نبيّنه. وهو أن سماع البينة تعلق من القاضي بركنٍ من أركان القضاء وعليه بعده نظرٌ، فإذا لم يقض، وأراد نقلَ البينة، فسبيل الواقعة كسبيل الشهادة على الشهادة، فكان يجب أن يَشْهدَ على شهادة الأصول شهودٌ يكونون فروعاً، على الشرط الذي سيأتي مشروحاً في الشهادة على الشهادة، إن شاء الله. ثم كان القاضي على ذلك شاهداً على شهادة الأصول، ولا تثبت بالشاهد الواحد شهادة الأصول، وهذا بيّن من هذا الوجه.
قال القاضي: هذا الطرف غير منصوص عليه للشافعي، والقياس ألا يثبت بقول القاضي وحد شهادة شاهدين؛ إذ الشهادة على الشهادة لا تثبت بواحد.
وهذا الذي ذكره القاضي ليس مذهباً ولا وجهاً مخرجاً، وإنما هو إبداء الإشكال