للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبد الذي تدعيه؟ فإذا قال: نعم، لم يقضِ به، فإنا نفرع على أن القضاء لا يعتمد إبرامُه الوصفَ. ولو جاز إسنادُ الإبرام إلى الوصف، لقضى القاضي الكاتبُ بالوصف والعبدُ غائب، فإذا لم يقض الكاتبُ ولا المكتوبُ إليه، فكيف الطريق؟

ظاهر النص، حيث انتهى التفريع إليه، أن القاضي يختم على رقبة هذا العبد ليكون أمانة من الإبدال، ويسلّمه إلى المدعي، ويأخذ منه كفيلاً ببدنه -يعني بدن المدعي- إذا صححنا كفالة الأبدان. ثم إن المدعي يرفع ذلك العبد إلى البلد الذي به [شهوده] (١)، فيستعيد القاضي شهاتهم على عين ذلك العبد، فإذا شهدوا، افتتح القضاء له بالملك فيه، ثم يبرأ المتكفِّل بالبدن.

وحاصل القول يؤول إلى أن سماع البيّنة على الوصف في ابتداء الأمر لا يسلط القاضيَ الكاتبَ على القضاء ولا المكتوبَ إليه، ولكن يفيد إيجابَ نقلِ العبد وإحضارِه.

ثم يترتب على ذلك كلِّه القضاءُ إن أشار الشهود إلى عين العبد، فلا فائدة في سماع البينة الأولى إلا النقلَ، كما ذكرناه. وما ذكرناه من الختمِ وأخذِ الكفيل احتياطٌ في الواقعة، فلو تركه القاضي المكتوبُ إليه، فترتيب القضاء ونظْمُه لا يختلف.

ولكن اختلف أئمتنا في أن المكتوب إليه هل يكون تاركاً واجباً، أم يكون تاركاً احتياطاًً مؤكداً مأموراً به من غير إيجاب؟ وهذا الاختلاف أجرَوْه في كفالة البدن، وإيجاب كفالة البدن ضعيف. هذا قول.

وفي المسألة قول آخر، وهو أن العبد لا يسلَّم إلى المدعي حتى يبتاعَه بثمنه -على تقدير أن الملك لو لم يثبت فيه، فيكون الثمن في ذمته، وهذا بيع مستند، ووقف (٢) عظيمٌ ظاهر، ولكن أجريناه احتياطاً للمدعَى عليه، ثم نأخذ منه كفيلاً بالثمن، وينقل هو العبدَ إلى مكان الشهود على الترتيب المقدَّم، فان أشار الشهود إليه، بان فساد العقد، وظهر أنه ملك المدعي، وبرىء من الثمن، وبرىء الضامن، وإن لم يشر


(١) في الأصل: "شهود" والمثبت من (ق).
(٢) ووقف عظيم: أي وقف لعقد البيع. والشافعية لا يقولون بوقف العقود، ولكن احتمل هنا احتياطاً، كما قال الإمام.