إحضار العين، ونحبسه لو امتنع، فقد يختلج في نفس الفقيه أن تلك العين ربما كانت تالفة، والجواب عن هذا سهل؛ فإن أمثال هذه الأمور تبنى على استصحاب البقاء، وعليه يتصرف الوكيل على ألف فرسخ من موكله، إلى غير هذا، مما يتسع الكلام فيه، فإن عظم وقع دوام الحبس على المحبوس، فالبينة لا تكذَّب، فإن كانت تلفت العين، فلينجُ بدعوى تلفها؛ فإن قوله مقبول في هذا.
والفصل الثاني - أن المدعي إذا عسر عليه استحضارُ العين؛ بأن لا يجد بيّنة على كونها في يد المدعى عليه، ولما حلّفه، حلف، فسبيله أن يرد الدعوى إلى المالية إذا استشعر ذلك منه؛ فإن المالية ترجع إلى قياس ضمان الذمم، فتبقى مرتَبَطه في الحق على ما ذكرنا.
ولو كان المدعي على تردُّدٍ في أن تلك العين في يد المدعى عليه أم فاتت في يده، فلو قال: أدعي عليه عيناً صفتها كذا أو قيمتها إن فاتت في يده، فقد اختلف الأصحاب في أن الدعوى هل تُسمع كذلك؟ فقال القيّاسون لا تسمع الدعوى على هذا الوجه؛ فإنها مترددة غير مجزومة.
وقال قائلون: الدعوى تسمع كذلك؛ فإن الحالة ربما تكون كذلك. قال القاضي: اصطلح القضاة على سماع هذه الدعوى ورأَوْا في سماعها مصلحة.
ثم إن سمعنا الدعوى على هذا الوجه، فلا كلام، وإن لم نسمعها، فالوجه رد الدعوى إلى المالية، كما وصفناها، ثم البيّنة لا تسمع على الوصف في هذا النوع، فإذا كانت الدعوى مالية سُمعت، فيصف الشهود [ويذكرون](١) القيمة، وتتوجه الطلبة بمالية المدعى.
وهذا أقصى ما في الوسع من بيان هذا الفصل.
١١٩٥٩ - ومن الأمور البينة التي يجب أن لا يُغفَل عنها، أنا إذا كلفنا المدعى عليه إحضار العين، فالتزم مؤونة إحضارها، فإن ثبت استحقاق المدعي، فالمؤونة على المُحضر، وإن لم يثبت استحقاق المدعي، فقد قال الأصحاب: يُغرّم المدعي مؤونة
(١) تقدير منا مكان بياض بالأصل. والحمد لله جاءت بصحته (ق).