والأصح تفصيل ذلك، فنقول: قضاؤه له بعلمه مردود -وإن جوّزنا القضاء بالعلم - قياساً على الشهادة، فأما إذا قضى له ببيّنة، ففيه وجهان، وقضاء القاضي على عدوه كشهادته على عدوه، فالوجه عندنا الفصل بين القضاء بالعلم والقضاء بالبيّنة، على الترتيب الذي ذكرناه.
ولو منعنا قضاء القاضي لولده، فلو سمع البيّنة له، وفوّض القضاء إلى غيره، ففي
المسألة وجهان. هكذا رتّبه الأصحاب.
والوجه عندي أن يقال: لا ينفذ تعديلُه البيّنةَ فيما يتعلق بولده، وكذلك إذا كان هو الناقل، فلا مساغ له وإن نقل الشهادة شاهدان عدلان عن الشاهدين الأصليين.
فرع:
١٢٠٢٨ - ذكر صاحب التقريب في أثناء كلامه أن القاضي الصارف إذا كان يحاسب الأمناء والأوصياء، فذكر بعضهم أن القاضي [المصروف](١) فرض له أجراً من المال، فإن أقام على ذلك بيّنة، وكان ذلك قدرَ أجر مثله، وفّاه القاضي الصارف ذلك. وإن صدّقه القاضي المعزول، فلا حكم لتصديقه، كما تقدم ذلك.
ولو ادعى أجراً كما وصفناه، ولم يُقِم بينةً، وكان الذي ادعاه أجر مثله، فهل يقبل قوله في ذلك؟ فعلى وجهين ذكرهما صاحب التقريب: أحدهما - يُقبل، فيحلّفه ويوفّيه، ووجهه أن عمله متقوَّم، فلا ينبغي أن يُبْنَى الأمرُ على تضييعه، وهذا يلتفت على أن من استعمل غيره، ولم يذكر له أجراً، فهل يستحق إذا عمل الأجر؟ فيه خلاف مذكور. والوجه الثاني - أنه لا يقبل قوله حتى يقيم البيّنة.
فرع:
١٢٠٢٩ - إذا ادعى قوم حقوقاً على رجل، فذكر كل واحد ديناً، ووكلوا بحقوقهم وكيلاً واحداً ليخاصم عنهم، فإن لم يرضَوْا بأن يحلّفه يميناًً واحدة، فلا بد وأن يحلف في حق كل واحد منهم يميناً، وإن رضُوا بأن يحلّفه القاضي يميناً واحدة في حق جميعهم مشتملاً على نفي دعاويهم، فهل يقتصر القاضي على يمين واحدة؟ فعلى وجهين، ذكرهما العراقيون: أحدهما - أنه يقتصر على يمين واحدة؛ فإن الأيمان حقوقُهم، فإذا رضوا، وجب القضاء على حكمهم.