للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورجلاها على عاتقه كأنهما أذنا حمار وما رأيت أكثر من ذلك، فقال: الله أكبر، ودرأ الحد " (١).

وللإمام أن يفعل مثلَ ذلك في حدود الله، فيسعى في الدرء جهده قبل ثبوته، ويشهد لذلك قصة ماعز، وترديد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، وقال لمن حُمل إلى مجلسه بتهمة السرقة: " ما إخالك سرقت، الحديث " (٢).

والإقرار بالزنا لا يشترط فيه العدد، كما تقدم في موضعه، وهل يثبت بشهادة رجلين، أم لا بد من أربعة؟ فعلى قولين مشهورين تقدما.

وليس للإنسان أن يشهد على الزنا بمخايل الأحوال وقرائنها، وإن غلبت على الظن، أو قربت من اليقين، بل يشهد إذا رأى ذلك منه في ذلك منها كالمِرْود في المُكْحُلَة، ثم لا بد من التصريح في لفظ الشهادة. كما سيأتي إن شاء الله هذا الفن في أثناء الكلام. وما ذكرناه كناياتٌ لا يكتفى بها من الشاهد على الزنا.

١٢٠٣٢ - وهل يجوز للشهود تعمُّدُ النظر إلى سوءة الرجل والمرأة، ليشهدوا على الزنا، أم يحرم ذلك عليهم؟ وإنما يشهدون إذا وقع بصرهم على ذلك وفاقاً؟ ذكر العراقيون وجهين في ذلك: أحدهما - أنه يجوز تعمد النظر لإقامة الشهادة. والثاني - لا يجوز؛ فإنا مأمورون بالستر جهدنا، منهيون عن التجسس.

وكل ما يقبل فيه شهادة النسوة على التجرد، وهو مما لا يطّلع عليه الرجال منهن غالباً، فهل للرجال تعمد النظر إلى تلك المواضع لتحمل الشهادة إذا مست الحاجة إليها؟ ذكروا في ذلك وجهين، ثم جمعوا تحمل الشهادة على الزنا إلى تحمل الشهادة [على] (٣) بواطن النساء، وطردوا فيهما طريقين: قالوا: من أصحابنا من قال: لا يحل تعمد النظر لتحمل شهادة الزنا وجهاً واحداً، وفي جواز تعمد النظر إلى بواطن


(١) أثر عمر لما شهد عنده أبو بكرة ومن معه على المغيرة بن شعبة بالزنا، ورجوع زياد، أخرجه الطحاوي، وابن أبي شيبة، والبيهقي، وصححه الألباني (ر. الطحاوي: ٢/ ٢٨٦ - ٢٨٧، البيهقي: ٨/ ٢٣٤ - ٢٣٥، إرواء الغليل: ٢٨/ ٢٨ - ٣٠ ح ٢٣٦١).
(٢) سبق هذا الحديث.
(٣) في الأصل: " إلى ".