ومما يدل على صحة ما قلنا، أنا وجدنا العطايا على وجهين:
(فوجهٌ يُعطى الإنسان بعينه، كزيدٍ وعمرو، فمتى مات المُعْطَى، كان ذلك الشيء لورثته أو للمعطي، على حسب ما يقول أهل العلم، أعني: من الصدقات والهبات والوصية، ليس يُرَدُّ إلى من معه في العَطِيَّةِ، كأنه أعطى لزيدٍ ولعمرو درهماً أو أوصى لهما بذلك، فمات واحدٌ منهما أو فُقِدَ، لم يرجع نصيبه إلى الآخر في العطية.
(وكذلك من أُعْطِيَ بصفةٍ، مثل أن يُعْطِي الفقراء والمساكين والعلماء والجيران، أو أوصى لهم بذلك، فإنَّ عطيَّته تُقْسَم على حسب ما يخص الأصناف، فمتى عُدِمَ صنفٌ أو مات، لم ترجع حصته إلى الباقين من الأصناف، لكنها ترجع إلى المُعْطَى أو إلى ورثته، وهذا في عطايا الآدميين.
فلو لم يجز في الزَّكاة أن يُفَضَّل صنفٌ على صنفٍ، أو يُعْطَى صنفٌ دون صنفٍ مع وجود الأصناف، لما جاز أن ترد إليه مع عدمه، كما لم يجز ذلك فيما ذكرناه من عطايا الأدميين، سواءٌ كان المُعْطَون بأعيانٍ أو صفاتٍ.
فلما جاز عند مخالفنا (١) في هذه المسألة أن يرد حق صنفٍ مع عدمه في الزَّكاة إلى الصنف الآخر، ولم يجز ذلك في سائر العطايا مع عدم الصنف الذي معه، ثبت بهذا أنَّهُ يجوز في الزَّكاة أن يُعْطى صنفٌ أكثر من صنفٍ، أو يُعْطَى
(١) المخالف في هذه المسألة هم الشافعية، ينظر: الحاوي [١٠/ ٥٤٠]، المجموع مع شرحه المهذب [٦/ ١٣٢].