للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾ [البقرة:١٧٨] الآية، وقال: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة:٤٥]، وقال: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [المائدة:٤٥] (١).

فالذي أوجب الله تعالى في القتل أو الجراح القِصَاصَ لا المال، ولولا أَنَّهُ أباح أخذ الدّية إذا بُذِلت، لكان ذلك غير جائزٍ، غير أَنَّهُ أباح ذلك بقوله تبارك اسمه: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة:١٧٨]، والعافي هو القاتل؛ لأنَّهُ يترك شيئاً من ماله، ويُتْرَكُ له القَوَدُ، ويُتْبَعَ بالمال.

فإن قيل (٢): قد قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه: «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ، بَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا، أَوْ يَعْفُوا وَيَأْخُذُوا الدِّيَةَ» (٣)

قيل له: معنى هذا الخبر، أَنَّهُ يجوز للولي أخذ الدّية إذا بُذِلَتْ له، لا أَنَّهُ يُجْبِرُ القاتِلَ على ذلك، ولولا دلالة الخبر والآية على ما ذكرناه، لم يجز للوليّ أخذ المال بدل القَوَدِ؛ لأنَّ في القَوَدِ حياةً للنّاس، كما قال الله ﷿: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة:١٧٩] غير أنَّه خفَّف عنَّا ما كان مشدَّداً على من قبلنا، فجاز لنا أخذ المال بدل الدّم إذا أُعْطِيناه.

ومما يدلّ على ما قلناه، ما رواه الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ قال: «مَنْ قُتِلَ لَهُ وَلِيٌّ


(١) نقل التلمساني في شرح التفريع [١٠/ ٤٧]، هذه الفقرة عن الأبهري بتصرف.
(٢) ينظر الاعتراض في مختصر المزني، ص (٣٤٥)، الحاوي للماوردي [١٥/ ٢٤٦].
(٣) متفق عليه: البخاري (١١٢)، مسلم [٤/ ١١٠]، وهو في التحفة [١١/ ٦٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>