للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقد حُكِيَ عمَّن قطع الله لسانه وجدَّدَ عذابه عليه، أنَّه حكى عن مالكٍ أنّه قال: «عليٌّ وابن مسعودٍ مِمَّنْ نفته المدينة».

ولقد كذب من قال هذا عنه، وكيف يقول ذلك وهو يروي عنهم ويأخذ بقولهم ويتَّبع آثارهم.

وإنَّما روى مالكٌ وغيره من العلماء، - منهم الثَّوريُّ -، عن محمد بن المنكدر، عن جابرٍ: «أَنَّ أَعْرَابِيّاً قَدِمَ المَدِينَةَ، وَبَايَعَ رَسُولَ الله عَلَى الإِسْلَامِ، ثمَّ إِنَّ الأَعْرَابِيَ وَعِكَ، فَجَاءَ إِلَى النَّبيِّ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى، ثمَّ جَاءَ إِلَيْهِ مِنَ الغَدِ، فَأَبَى، فَهَرَبَ الأَعْرَابِيُّ وَخَرَجَ عَنِ المَدِينَةِ، فَقَالَ النَّبيُّ : المَدِينَةُ كَالكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا» (١)، وقال النَّبيُّ : «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنَ المَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا، إِلَّا أَبْدَلَهَا الله تَعَالَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ» (٢)، وقال: «لا يَصْبِر أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا، إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَهِيدَاً أَوْ شَفِيعَاً يَوْمَ القِيَامَةِ» (٣).

ومعلومٌ أنَّ أصحاب رسول الله لم يخرجوا عن المدينة رغبةً عنها، وعن الكون بقرب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وجواره، رغبةً عنه من أجل دنيا، وإنّما خرجوا لحاجتهم إلى الخروج، ولطلب الطاعة، مثل: الجهاد، والرِّباط، والحجّ، والعمرة، والأعمال الَّتِي بالنّاس ضرورةٌ إلى من يعملها: كالإمرة، والعمالة، والحكم، وأخذ الصّدقة، وأشباه ذلك، فمتى خرج الإنسان عن المدينة لهذه الوجوه، أو لطلب فضل الله، أو حاجةٍ، ولم يكن خروجه رغبةً عنها، فليس


(١) متفق عليه: البخاري (١٨٨٣)، مسلم [٤/ ١٢٠]، وهو في التحفة [٢/ ٣٦١].
(٢) أخرجه مسلم [٤/ ١١٣]، وهو في التحفة [٣/ ٢٩٤].
(٣) هي قطعة من الحديث المتقدِّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>