للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخي: ليس الصوم صوم جماعة الطّغام عن الجماع والطعام إنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام، وصمت اللسان عن فضول الكلام، وغض العين عن النظر إلى الحرام، وكفّ الكفّ عن أخذ الحطام، ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام.

إن المطلوب من الصوم التقلل ليسبق المضمّر، وهم يستوفون وقت الإفطار الحِمْل، ويجعلون السحور علاوة، فيقف جمل التعبد.

المراد من التجويع خلوف الفم، والذين عندهم جُشَاء التَّخم يصبحون وبهم من الطعام بَشَم (١) ، ومن الماء بغر (٢) ، "جاعوا بالنهار وما يفهمون كيف صاموا، وشبعوا بالليل فناموا وما قاموا" (٣) .

قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته" (٤) .

فاتق الله في أمانته عندك.

ولكل عبادة ظاهراً وباطناً، وقشراً ولبّاً، ولقشرها درجات، ولكل درجة طبقات، فإليك الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز إلى غمار أرباب الألباب.

فطوبى لمن أظمأ نفسه ليوم الري الكامل

طوبى لمن جوع نفسه ليوم الشبع الأكبر

طوبى لمن ترك شهوات حياة عاجلة لموعد غيب لم يره

متى اشتد عطشك إلى ما تهوى فابسط أنامل الرجاء إلى من عنده الري الكامل وقل: قد عيل صبر الطبع في سنيِّه العجاف، فعجِّل لي العام الذي فيه أغاثُ وأعصر.

أخي: -وبعد أن أطلنا- هذه أوراق جمعناها في الصوم وفضله وثماره


(١) مرض يجعل الرجل لا يشبع من الطعام.
(٢) البغر: داء يشتد معه العطش، فلا يخفضه الماء.
(٣) "مقامات ابن الجوزي" (ص ٢٦١) .
(٤) رواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" من حديث ابن مسعود في حديث الأمانة في الصوم وإسناده حسن قاله
العراقي، وقال ابن السبكي لم أجد له إسنادا.

<<  <  ج: ص:  >  >>