للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صوم الصالحين

وردت آثار كثيرة عن السابقين في علو هممهم وأخذهم بالعزائم في العبادات، وهم جبال في الاقتداء والتأسي برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

يقول الشاطبيّ في "الاعتصام" (١/٤٠٤) : "نحن نحمل ما داوم عليه الأولون من الأعمال على أنه لم يكن شاقاً عليهم، وإن كان ما هو أقل منه شاقاً علينا، فليس عمل مثلهم بما عملوا به حجة لنا أن ندخل فيما دخلوا فيه، إلَّا بشرط أن يمتد مناط المسألة فيما بيننا وبينهم، وهو أن يكون ذلك العمل لا يشق الدوام على مثله.

وليس كلامنا هذا لمشاهدة الجميع، فإن التوسط والأخذ بالرفق هو الأولى والأحرى للجميع، وهو الذي دلت عليه الأدلة دون الإيغال الذي لا يسهل مثله على جميع الخلق ولا أكثرهم؛ إلا على القليل النادر منهم, والشاهد لصحة هذا المعنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني لست كهيئتكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" (١) ، يريد عليه السلام: أنه لا يشق عليه الوصال، ولا يمنعه عن قضاء حق الله وحقوق الخلق.

فعلى هذا؛ من رزق أنموذجاً مما أعطه عليه السلام، فصار يوغل في العمل مع قوته ونشاطه وخفة العمل عليه؛ فلا حرج" (٢) .

يقول الشاطبي: "كم من رجل صلى الصبح بوضوء العشاء كذا كذا سنة, وسرد الصيام كذا وكذا سنة، وكانوا هم العارفين بالسنة، لا يميلون عنها لحظة، وروي عن ابن عمر وابن الزبير: أنهما كانا يواصلان الصيام (٣) وأجاز مالك -وهو


(١) جزء من حديث صحيح.
(٢) "الاعتصام" (١/٤٠٤) .
(٣) قال في "الاعتصام" (١/٤٠٥) : "ويكون عمل ابن الزبير وابن عمر وغيرهما في الوصال جارياً على أنهم مما
أعطيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا بناء على أصل مذكور في كتاب "الموافقات" والحمد لله.

<<  <  ج: ص:  >  >>