للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إمام في الاقتداء (١) - صيام الدهر؛ يعني إذا أفطر أيام العيد، والآثار في هذا المعنى كثيرة عن الأولين، وهي تدل على الأخذ بما هو شاق على الدوام ولم يعدهم أحد بذلك مخالفين للسُنة، بل عدوهم من السابقين -جعلنا الله منهم- وأيضاً فإن النهي ليس عن العبادة المطلوبة بل هو عن الغلوّ فيها غلواً يدخل المشقة على العامل، فإذا فرضنا من فُقدت في حقه تلك العِلة فلا ينهض النهي في حقه؛ كما إذا قال الشارع: لا يقضي القاضي وهو غضبان، وكانت علة النهي تشويش الفكر عن استيفاء الحجج؛ اطّرد النهي مع كل مشوش، وانتهى عند انتفائه حتى أنه مع وجود الغضب اليسير الذي لا يمنع من استيفاء الحجج، وهذا صحيح جار على الأصول.

وحال من فقدت في حقه العِلة حال من يعمل بحكم منْ غلبه الشوق أو غلبه الرجاء أو المحبة, فإن الخوف سوط سائق، والرجاء حادٍ قائد، والمحبة سبيل حامل، فالخائف إن وجد المشقة، فالخوف مما هو أشق يحمله على الصبر على ما هو أهون وإن كان العمل شاقّاً، والراجي يعمل وإن وجد المشقة, لأن رجاء الراحة التامة يحمله على الصبر على بعض التعب، والمحب يعمل ببذل المجهود؛ شوقاً إلى المحبوب، فيسهل عليه الصعب، ويقرب عليه البعيد، فيوهن القوى ولا يرى أنه أوفى بعهد المحبة ولا قام بشكر النعمة، ويعصر الأنفاس ولا يرى أنه قضى نهمته.

وإذا كان كذلك صحَّ بين الأدلة، وجاز الدخول في العمل التزاماً مع الإيغال فيه! إما مطلقاً وإمَّا مع ظن انتفاء العِلة، وإن دخلت المشقة فيما بعد؛ إذا صحّ من العامل الدوام على العمل ويكون ذلك جارياً على مقتضى الأدلة وعمل السلف الصالح" (٢) .

فالحاصل: جواز الاجتهاد في العبادة بشروط:

الأول: أن لا يحصل له ملل يفقده لذة العبادة بدليل "ليصل أحدكم نشاطه"

الثاني: أن يكثر حسب طاقته، ودليله: "عليكم من الأعمال ما تطيقون"


(١) قال الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم.
(٢) "الاعتصام" (١/٤٠٠-٤٠١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>