ومُنْذُ تَهِل ترهَبُكَ الذُّنوبُ ... وتَخَتشِعُ السرائرُ والقلوبُ
وتفزعُ أن تُقابلك المعَاصي ... فتُهْرَعُ أو تُقَنعُ، أو تذُوبُ
ويُجفل أنْ يراك أخو هَواها ... ولو قَتَلَتْ مشاعره العُيوبُ
كأنَّكَ فارسُ الأيام، تَبدُو ... فيصعقها مُهنَّدُكَ الغَضُوبُ
كأنَّ بكفِّك البيضاء سرّاً ... من النَّجْوى تَكتَّمُهُ الغيوبُ
تُجابهُ كلهَ غَيَّان عَنيد ... فيَكتَتِمُ الغِوايةَ أو يَتُوِبُ
جعلتَ النَّاس في وقت المغيبِ ... عبيدَ ندائكَ العاتي الرَّهيبِ
كم ارتقَبُوا الأذانَ كأنَّ جُرحاً ... يُعذبُهمْ تَلَفتْ للطَّبيب
وأتلَعَتِ الرِّقاب بهم، فلاحوا ... كَرُكْبان علَى بلَد غَريبِ
عُتاةُ الإنسِ، أنتَ نسخْتَ منهم ... تَذَلُّلَ أَوْجُهِ وضنى جُنوبِ
فيا.. من لقْمة، حفيف ماءِ ... يُقِّلب روحَه فوقَ اللهيب
علامَ البغْيء والطغيان؟! إِنِّي ... كفَرتُ بمنطق الدُّنْيا العَجيبِ!
تَلفتْ للمآذِنِ حاليات ... كَحُورِيَّات خلْد سافِراتِ
تفوحُ مباخرُ النُّسَّاك منها ... فتحسبُها غُصوناً عاطراتِ
تلألأ حولها أطواق نور
كأنكَ حامل وحياً إليها ... وقَفْنَ لسِحرِه متلهفاتِ
إِذا صاحَ الأذانُ بها أَرنَّتْ ... بإلهام كموْج البَحرِ عاتِ
يذكَّرُ بالهِدايةِ كل ناس ... ويُوقِظُ كلِّ غاف في الحيَاةِ!
وهذا المعُجِزُ العالي الرَّخيمُ ... أَذانُ الله، والذْكر الحكيم
تَلَاهُ في سكون اللَّيل تال ... فكاد لِهَوله تَهْوِي النجومُ