للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن رجب (١) : "فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أولا يختص كشهوة فضول الكلام المحرمة، والنظر المحرم والسماع المحرم، والكسب المحرم، فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول: يا رب منعته شهواته فشفعني فيه، فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه من شهواته، فأما من ضيّع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه ويقول له: ضيعك الله كما ضيعتني.

قال بعض السلف: إذا احتضر المؤمن يقال للملك: شم رأسه قال: أجد في رأسه القرآن، فيقال: شم قلبه، فيقول: أجد في قلبه الصيام، فيقال: شم قدميه، فيقول: أجد في قدميه القيام، فيقال: حفظ نفسه حفظه الله عز وجل.

وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل، من قرأ القرآن وقام به فقد قام بحقه فيشفع له، أما من كان معه القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به بالنهار، فإنه ينتصب القرآن خصماً له يطالبه بحقوقه التي ضيعها كما جاء في حديث سمرة ابن جندب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وقالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا ورجع إليه حتى يصحّ رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى" ... الحديث وفيه: "أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ بالقرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة" (٢) .

يا من ضيّع عمره في غير الطاعة، يا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط، وبئست البضاعة، يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة (٣) .


(١) "اللطائف" (١٩٢) .
(٢) رواه البخاري تاماً في كتاب التعبير باب تعبير الرؤيا، ومسلم، وأحمد، والترمذي، والنسائي.
(٣) "اللطائف" (١٩٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>