ويبذل عرضه في هوى نفسه ومراده، ولا يصبر على التبذل لله في مرضاته وطاعته.
فهو أصبر شيء على التبذل في طاعة الشيطان ومراد النفس، واعجز شيء عن الصبر على ذلك في الله، وهذا أعظم اللؤم، ولا يكون صاحبه كريما عند الله، ولا يقوم مع أهل الكرم إذا نودي بهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد ليعلم أهل الجمع من أولى بالكرم اليوم أين المتقون.
فليصبر الإنسان عن معصية الله في هذا الشهر، ولا يبيع حظه مع الله بشهوة تذهب لذاتها وتبقى تبعتها، تذهب الشهوة وتبقى الشقوة. ويعينه على صبره عن شهواته مشهد قهره لشيطانه والظفر به، ومشهد العوض وهو ما وعد الله سبحانه من تعويض من ترك الحرام، ومشهد البلاء والعافية، فإن البلاء ليس إلا الذنوب، والعافية المطلقة هي الطاعات وعواقبها.
يصبر العبد عن المعصية في رمضان حذرا من الوقوع في الحرام، وإبقاء لنور وبهجة الإيمان.
يصبر عن معصيته إيمانا بالوعيد وحبا لله وحياءً من مولاه.
يصبر على فتنة النفس، والشهوة وجاذبيته للأرض، وثقلة اللحم والدم، والرغبة في المتاع والسلطان، أو في الدعة والاطمئنان، وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان والاستواء على مرتقاه، مع المعوقات والمثبطات في أعمال النفس وفي ملابسات الحياة، وفي منطق البيئة وفي تصورات أهل الزمان.
لابد من الصبر:
الصبر على فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه وهو لا يملك عنهم دفعا. والصبر على فتنة إقبال الدنيا على المبطلين تصاغ لهم الأمجاد الكاذبة، والصبر على الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقاً في تيار الضلالة وهو وحده موحش غريب طريد.