للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي لا أحد أصبر منه، ولا نسبة لصبر جميع الخلق من أولهم إلى آخرهم إلى صبره سبحانه. والله يحب أسماءه وصفاته، ويحب مقتضى صفاته، وظهور آثارها في العبد، فهو صبور يحب الصابرين.

وإذا كان سبحانه يحب المتصفين بآثار صفاته، فهو معهم بحسب نصيبهم من هذا الاتصاف، ورمضان شهر الصوم، والصوم تجتمع فيه معاني الصبر الثلاثة: الصبر على ألم الجوع والعطش، والصبر على المعاصي، والصبر على الطاعات.

أما الصبر عن المعاصي: فما أحوجنا في رمضان إلى كظم الغيظ عمن أساء إلينا قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين ويزوجه منها ما شاء" (١)

وفي الصحيح: "ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة".

ورحم الله من قال:

والصبر بالأرواح يعرف فضله ... صبر الملوك وليس بالأجسام (٢)

فاصبر صبر الكرام، فالكريم يصبر عن معصية الرحمن، واللئيم يصبر في طاعة الشيطان، فاللئام أصبر الناس في طاعة أهوائهم وشهواتهم، وأقل الناس صبراً عن معصية ربهم، فيصبر على البذل في طاعة الشيطان أتم صبر، ولا يصبر على البذل في طاعة الله في أيسر شيء.

ويصبر على تحمل المشاق لهوى نفسه في مرضاة عدوه، ولا يصبر على أدنى المشاق في مرضاة ربه.

ويصبر على ما يقال في عرضه في المعصية، ولا يصبر على ما يقال في عرضه إذا أوذي في الله.


(١) حسن: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن معاذ بن أنس، ورواه أحمد في "مسنده"، والطبراني في "الصغير"، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (٦٥٢٢) .
(٢) "الذريعة إلى مكارم الشريعة" للراغب الأصفهاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>