* والليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري (وما أدراك ما ليلة القدر) .
هي ليلة عظيمة باختيار الله لها لبدء تنزيل هذا القرآن. وإفاضة هذا النور على الوجود كله. وإسباغ السلام من الله على الضمير البشري والحياة الإنسانية.
وحين ننظر اليوم من وراء الأجيال المتطاولة إلى تلك الليلة المجيدة السعيدة، ونتصور ذلك المهرجان العجيب الذي شهدته الأرض في هذه الليلة، ونتدبر حقيقة الأمر الذي تم فيها، ونتملى آثاره المتطاولة في مراحل الزمان وفي واقع الأرض، وفىِ تصورات القلوب والعقول.. فإننا نرى أمراً عظيماً حقاً، وندرك طرفاً من مغزى هذه الإشارة القرآنية إلى تلك الآية:(وما أدراك ما ليلة القدر) .
لقد فرق فيها من كل أمر حكيم، وقد وضعت فيها قيم وأسس وموازين، وقد قررت فيها من أقدار أكبر من أقدار الأفراد أقدار أمم ودول وشعوب، بل أكثر وأعظم.. أقدار حقائق وأوضاع وقلوب!
ولقد تغفل البشرية -لجهالتها ونكد طالعها- عن قدر ليلة القدر.
وعن حقيقة ذلك الحدث، وخسرت السعادة والسلام الحقيقي -سلام الضمير، وسلام البيت وسلام المجتمع- الذي وهبها إياه الإسلام. ولم يعوضها عما فقدت ما فتح عليها من أبواب كل شيء من المادة والحضارة والعمارة، فهي شقية، شقية على الرغم من فيض الإنتاج وتوافر وسائل المعاش!
لقد انطفأ النور الجميل الذي أشرق في روحها مرة، وانطمست الفرحة الوضيئة التي رفت بها وانطلقت إلى الملأ الأعلى، وغاب السلام الذي فاض على الأرواح والقلوب، فلم يعوضها شيء عن فرحة الروح ونور السماء وطلاقة الرفرفة إلى عليين" (١) .
وليلة قَدْر أشرقت في تطلعي ... إلى الله، أدعو أستمد الرضا الأعلى