للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الباطل إنما يستمد حياته الموقوتة من عوامل خارجية وإسناد غير طبيعي، فإذا تخلخلت تلك العوامل، ووهت هذه الأسانيد تهاوي وانهار فأما الحق فمن عند الله الذي جعل الحق من أسمائه يجعل له العقبى ويكفل له البقاء وإن وقفت ضده الأهواء والسلطان.

"إن الباطل كان زهوقا" ومن ورائه الشيطان، ومن ورائه السلطان، ولكن وعد الله أصدق وسلطان الله أقوى، وما من مؤمن ذاق طعم الإيمان، إلا وذاق معه حلاوة الوعد وصدق العهد، "ومن أوفى بعهده من الله؟ ومن أصدق من الله حديثاً" (١) ؟!

لما سمع حماس بن قيس الديلي برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلس يصلح سلاحه، فقالت له امراته: لمن تعد هذا؟ قال لمحمد وأصحابه، فإني أرجو أن أخدمَك منهم خادماً فإنك إليه محتاجه.

قالت: ويحك لا تفعل ولا تقاتل محمداً، والله ليضلنّ هذا عنك لو رأيت محمداً وأصحابه.

قال: سترين. وبعدها بقليل أقبل حماس منهزماً حتى أتى بيته فدقه ففتحت امرأته فدخل، وقد ذهبت روحه، فقالت: أين الخادم الذي وعدتني ما زلت منتظرتك منذ اليوم، تسخر به.

قال: دعي عنك هذا أغلقي بابك فإنه من أغلق بابه فهو آمن ثم قال شعراً:

وأنت لو شهدتنا بالخندمه ... إذ فر صفوان وفرّ وعكرمه

وأبو يزيد كالعجوز المؤتمه ... إذ يلحقونا بالسيوف المسلمة

يقطعن كلّ ساعد وجمجمة ... ضربا فلا يُسمع إلا غمغمه

لهم زئير خلفنا وهمهمة ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة (٢)

قال تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ... ) [النصر: ١، ٢] .

قال ابنُ كثير: "والمراد بالفتح هنا فتح مكة قولاً واحد فإن أحياء العرب كانت


(١) "الظلال" (٤/٢٢٤٧- ٢٢٤٨) .
(٢) "فتح مكة" محمد أحمد شاميل (ص ١٧٨- ١٧٩) ، نقلاً عن سيرة ابن هشام (ج ٤/٥٠) ، و"مغازي الواقدي" (٢/٢٨٧) ، "البداية والنهاية" (٤/٢٩٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>