للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة وهو يقرأ سورة الفتح وذقنه على راحلته متخشعاً. إن رسول الله ليضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى أن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل. دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلثمائة نصب جعل يطعنها بعود في يده ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) (١) .

وعند مسلم "أتى إلى صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه وفي يد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوس وهو آخذ بسيتها فلما أتى على الصنم فجعل يطعن في عينه ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً".

وفي الأصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثواب أو العقابا

ويقول الشاعر:

لو قد رأيت محمداً وقبيلَهُ ... بالفتح يوم تكسر الأصنام

لرأيت دين الله أضحى بيناً ... والشرك يغشى وجهه الإظلام

إن نصر الله يجيئ به الله في الوقت الذي يقدره، في الصورة التي يريدها، للغاية التي يرسمها، وليس لأحد من أمره شيء، وحسب الناس أن يقيمهم الله حراسا لدينه.

(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) [الإسراء: ٨١] .

يجييء الحق بقوته وصدقه وثباته، ويزهق الباطل ويندو فمن طبيعة الباطل أن يتوارى ويزهق.

"إن الباطل كان زهوقا"

فالباطل ينتفخ وينتفج وينفش، لأنه باطل لا يطمئن إلى حقيقة، ومن ثَمَّ يحاول أن يموه على العين، وأن يبدو للعين عظيماً كبيراً ضخماً راسخاً، ولكنه هش سريع العطب كشعلة الهشيم ترتفع في الفضاء عالياً ثم تخبوا سريعاً وتستحيل إلى رماد بينما الجمرة الذاكية تدفئُ وتنفع وتبقى، وكالزيت يطفو على الماء ولكنه يذهب جفاء ويبقى الماء.


(١) البخاري عن عبد الله بن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>