بدأت علاقة المسلمين بهذه المنطقة بعد فتح مصر على يد عمرو بن العاص -رضى الله عنه-، فقد أرسل حملة إلى بلاد النوبة بقيادة عقبة بن نافع الفهري رحمه الله فدخل تلك البلاد، ولقي المسلمون قتالاً شديداً، حيث كان النوبيون يُجيدون الرمي بالسهام فرشقوهم بالنبل حتى جرح عامتهم، فانصرف المسلمون وقد فقئت حدق الكثير منهم من جراء النبل ولذا سموهم "رماة الحدق"، وتمخض عن هذه الحملة عقد صلح بينهم وبين المسلمين تقررت من جرائه الهدنة.
وظلَّ الوضع على ذلك حتى تولى ولاية مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضى الله عنه-، فنقض النوبيون الصلح وهاجموا صعيد مصر وأفسدوا فيه، فخرج عبد الله بن أبي سرح بجيش تعداده عشرون ألفا وتوغل في بلادهم جنوبا ووصل عاصمتهم دنقلة فحاصرها حصارا شديدا ورماها بالمنجنيق وضيق على أهلها حتى اضطروا للتسليم، وطلب ملكهم "قليدور" الصلح، وخرج إلى عبد الله ابن أبي سرح، وأبدى ضعفا ومسكنة وتواضعاً فتلقاه عبد الله وقرر الصلح معه وعقدت بين الجانبين معاهدة فريدة من نوعها، كان لها عظيم الأثر على عملية انتشارالإسلام في شرق القارة الإفريقية، وكان ذلك في شهر رمضان من سنة احدى وثلاثين هجرية.
وجاء في هذه المعاهدة:
"عهدٌ من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح لعظيم التوبة ولجميع أهل مملكته: عهد عقده على الكبير والصغير من النوبة، من أرض أسوان إلى حد أرض علوة أن عبد الله جعل لهم أماناً وهدنة:
إنكم معاشر النوبة آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا نحاربكم، ولا نَنْصُبَ لكم حرباً، ولا نغزوكم ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم".
ثم يعدد العهد الشرائط تلك ومنها:
- عليكم حفظ من نزل بلادكم أو يطرقه من مسلم أو معاهد حتى يخرج عنكم.
- وعليكم رد من لجأ إليكم من مسلم محارب للمسلمين وأن تخرجوه من بلادكم.
- وعليكم حفظ المسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم، ولا تمنعوا منه