تولى هذا القائد المسلم الحكم في دولة المماليك بُعَيد معركة "عين جالوت"، وأبدى من الأعمال والإصلاحات ما جعل المؤرخين يعدونه بحق مؤسس الدولة المملوكية في مصر والشام والحجاز.
والواقع أن الظاهر بيبرس قاد أمة الإسلام وحقق الله النصر لها على يديه على عدوين قويين تحالفا من أجل القضاء على هذه الأمة ودينها، وهما المغول الوثنيون في الشرق، والصليبيون النصارى في الغرب. فالمغول في الشرق أقاموا لهم دولة في فارس والعراق، وأصبحوا يتحينون الفرص للثأر من المسلمين الذين سحقوهم في معركة "عين جالوت"، كما تحدثنا عن ذلك، فيما مضى.
أما النصارى فعلى الرغم من الهزائم التي أنزلها بهم صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- فلا زالت الإمدادات تصلهم تباعاً من الدول الأوربية فتتقوى بها إماراتهم الثلاث في قلب العالم الإسلامي.
وهكذا وجد سلطان المسلمين آنذاك أنه محصور بين هاتين القوتين، ومع ذلك لم يضعف ولم يستسلم، ولكنه عزم على الجهاد، هيأ درلته وشعبه لهذا الأمر العظيم، واتخذ الأسباب المعينة على هزيمة الأعداء، ووضع لنفسه منهجاً وأسلوباً عسكرياً فريداً، قوامه الصرامة في التعامل مع الأعداء، ووضع الخطط الحربية المناسبة، والسرية التامة في كل تحركاته ووجهاته حتى مع جنده وقادته، وحقق بتوفيق الله انتصارات حاسمة على المغول وعلى الصليبيين، فتهاوت أمامه المدن والقلاع وطهرها من رجس الصليبيين، وفي رمضان سنة ستٍ وستين وستمائة كان الموعد مع أنطاكية.
وأنطاكية عاصمة الإمارة الصليبية التي تحمل اسمها، وهي واحدة من ثلاث إمارات صليبية ظلت باقية في العالم الإسلامي إلى ذلك الوقت، حيث أزالها المماليك بعد ذلك.
سار السلطان بيبرس بجيشه نحو أنطاكية مارّاً بمدن الشام، حيث أمرَ بإبطال الخمور والمنكرات، وأمر ببناء مسجد في حمص، وهكذا كان معظم قادة المسلمين يقدمون الأعمال الصالحة قبل جهادهم، ويطهرون بلادهم من المعاصي والمنكرات لعلمهم أن ذلك هو الطريق إلى النصر المظفر بإذن الله.