ملابسها غضب الله تعالى لنفسه غضبة تضيق منها السماوات والأرض والجبال والشجر والدواب فمن ذا يطيق غضبه، فإن كان ما ذكرت باطلاً فإني أذكرك يوماً تكون السماء فيه كالمهل، وتصير الجبال كالعهن، وتجثو الأم لصولة الجبار العظيم، وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي فكيف بإصلاح غيري؟ وإن كان ما ذكرت حقاً فإني أدلك على طبيب هدى يداوي الكلوم الممرضة والأوجاع المرمضة ذلك الله رب العالمين فاقصديه بصدق المسألة، فإني مشغول عنك بقوله تعالى:(وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع * يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)[غافر: ١٨-١٩] فأين المهرب من هذه الآية؟!.
ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له على الطريق فلما رآها من بعيد أراد الرجوع إلى منزله كيلا يراها، فقالت: يا فتى لا ترجع فلا كان الملتقى بعد هذا اليوم أبداً إلا غداً بين يدي الله تعالى، ثم بكت بكاءً شديداً وقالت: أسأل لك الله الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل ما قد عسر من أمرك، ثم إنها تبعته وقالت: امتن عليّ بموعظة أحملها عنك وأوصيني بوصية أعمل عليها، فقال لها: أوصيك بحفظ نفسك من نفسك، وأذكرك قوله تعالى:(وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار)[الأنعام: ٦٠] قال: فأطرقت وبكت بكاءً شديداً أشد من بكائها الأول، ثم إنها أفاقت ولزمت بيتها وأخذت في العبادة فلم تزل على ذلك حتى ماتت كمداً، فكان الفتى يذكرها بعد موتها ثم يبكي، فيقال له: مم بكاؤك وأنت قد أيأستها من نفسك؟ فيقول: إني قد ذبحت طمعها في أول أمرها، وجعلت قطيعتها ذخيرة لي عند الله تعالى، فأنا استحي منه أن استرد ذخيرة ادخرتها عنده تعالى" (١) .
فقل للناظرين إلى المشتهى في ديارهم، هذا أنموذج من دار قرارهم، فإن استعجل أطفال الهوى قدارِهم، وعِدْهمُ قرب الرحيل إلى ديارهم (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)[النور: ٣٠] .
الثاني: حفظ اللسان: عن فضول الكلام والهذيان والخوض في الباطل والمراء والجدال والخصومة والكذب والنميمة والفحش والجفاء والمراء والسب وبذاءة اللسان