للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحديث في فضل هذه الأمة في رمضان: "وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك" (١) .

إن للطاعات يوم القيامة ريحاً تفوح، فرائحة الصيام فيها بين العبادات كالمسك.

وهل هو في الدنيا أم في يوم القيامة؟

قال ابن حجر: "هذه المسألة إحدى المسائر التي تنازع فيها ابن عبد السلام، وابن الصلاح، فذهب ابن عبد السلام إلى أن ذلك في الآخرة كما في دم الشهيد واستدل بالرواية التي فيها "يوم القيامة"، وذهب ابن الصلاح إلى أن ذلك في الدنيا واستدل بما تقدم وأن جمهور العلماء ذهبوا إلى ذلك.

ويؤخذ من قوله "أطيب من ريح المسك" أن الخلوف أعظم من دم الشهيد لأن دم الشهيد شبه ريحه بريح المسك، والخلوف وصف بأنه أطيب، ولا يلزم من ذلك أن يكون الصوم أفضل من الشهادة لما لا يخفى، ولعل سبب ذلك النظر إلى أصل كل منهما فإن أصل الخلوف طاهر وأصل الدم بخلافه، فكان ما أصله طاهر أطيب ريحاً (٢) .

يا هذا تأمل العبارة..

"فَضّل ما ينكره الناس من الصيام على أطيب ما يستلذ من جنسه" (٣) .

ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم ونتائجه إن كان هذا حال الخلوف فكيف بأثر الإخلاص في الصوم.

قال الحافظ ابن رجب "خلوف الفم: رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة لخلو المعدة من الطعام بالصيام، وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا لكنها طيبة عند الله حيث كانت ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته، كما أن دم الشهيد يجيء يوم القيامة يثغب دماً لونه لون الدم وريحه ريح المسك، وبهذا استدل من كره السواك للصائم أوْ لمْ يستحبه


(١) إسناده مقارب رواه البيهقي في "شعب الإيمان" من حديث جابر وقال المنذري إسناده مقارب، انظر "الفتح" (٤/١٢٨) .
(٢) "فتح الباري" (٤/١٢٨) .
(٣) "مرقاة المفاتيح" (٤/٢٢٢-٢٢٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>