المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أو لا تكتفي رؤية معاوية وصيامه فقال: لا. هكذا أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رواه مسلم والترمذي وأبو داود.
* بوّب النووي في شرح صحيح مسلم "باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم" وقال (٣/١٤١) : فيه حديث كريب عن ابن عباس، وهو ظاهر الدلالة للترجمة، والصحيح عند أصحابنا أن الرؤية لا تعم الناس، بل تختص بمن قرب على مسافة لا تقصر فيها الصلاة. وقال بعض أصحابنا: تعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض، فعلى هذا نقول: إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب؛ لأنه شهادة فلا تثبت بواحد، لكن ظاهر حديثه أنه لم يردّه لهذا وإنما ردّه لأن الرؤية لم يثبت حكمها في حق البعيد.
* قال ابن حجر: اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:
أحدها: لأهل كل بلد رؤيتهم، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس ما يشهد له، وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق، وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه، وحكاه الماوردي وجهاً للشافعية.
ثانيها: مقابله إذا رؤي ببلدة لزم أهل البلاد كلها.
قال النووي في "المجموع": عن الليث والشافعي وأحمد يلزم الجميع، قال: ولا أعلمه إلا قول المدني والكوفي يعني مالكاً وأبا حنيفة (٦/٢٨٢) .
قال ابن حجر: -وهو المشهور عند المالكية-، لكن حكى ابن عبد البر الإجماع على خلافه، وقال: أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس.
قال القرطبي: قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم.