للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد بَليت اللذات كلها ورثت حبالها وأصبحت أثقل على النفس من الحديث المعاد ولم يبق ما يعزى الإنسان عنها إلا لذة واحدة هي لذة الإحسان.

إن منظَر الشاكر منظر جميل جذاب ونغمة ثنائه وحمده أوقع في السمع وأعذب.

أحسن إلى الفقراء والبائسين وأعدك وعداً صادقاً أنك ستمر في بعض لياليك على بعض الأحياء الخاملة فتسمع من يحدث جاره من حيث لا يعلم بمكانك منه أنك أكرم مخلوق وأشرف إنسان ثم يعقب الثناء عليك بالدعاء لك أن يجزيك الله خير بما فعلت فيدعو صاحبه بدعائه، ويرجو برجائه، وهنالك تجد من سرور النفس وحبورها بهذا الذكر الجميل في هذه الهيئة الخاملة ما يجده الصالحون إذا ذكروا في الملأ الأعلى.

ليتك تبكي كلما وقع نظرك على محزون أو مفؤود فنبتسم سروراً ببكائك، واغتباطً بدموعك، لأن الدموع التي تتحدر على خديك في مثل هذا الموقف إنما هي سطور من نور تسجل لك في تلك الصحيفة البيضاء أنك إنسان.

إن السماء تبكي بدموع الغمام ويخفُق قلبها بلمعان البرق وتصرخ بهدير الرعد، وإن الأرض تئن بحفيف الريح وتضج بأمواج البحر، وما بكاءُ السماء ولا أنين الأرض إلا رحمة بالإنسان، ونحن أبناء الطيعة فلنجارها في بكائها وحنينها.

إن اليد التي تصون الدموع أفضل من اليد التي تُريق الدماء، والتي تشرح الصدور أشرف من التي تبقَر البطون، فالمحسن أفضل من القائد، وأشرف من المجاهد، وكم بين من يحيي الميت ومن يميت الحي.

إن الرحمة كلمة صغيرة ولكن بين لفظها ومعناها من الفرق مثل ما بين الشمس في منظَرها والشمس في حقيقتها.

إذا وَجد الحكيم بين جوانح الإنسان ضالته من القلب الرحيم وجد المجتمع ضالته من السعادة والهناء.

لو تراحم الناس لما كان بينهم جائع ولا عار ولا مغبون ولا مهضوم، ولأقفرت الجفون من المدامع، واطمأنت الجنوب في المضاجع، ولمحت الرحمةُ الشقاء من المجتمع كما يمحو لسان الصبح مداد الظلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>