علمت أنه لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة"، وأعله الهيثمي في "المجمع" والحافظ بالانقطاع فهذا الاختلاف مما يوهن الاستدلال بالحديث لأنه جمع حكمين مختلفين في مسألة واحدة، وقد استدل به أيضاً أصحاب القول الثالث.
* قال ابن حزم (٥/١٩٥-١٩٦) : "قلنا: هذا شك من حذيفة أو ممن دونه، ولا يقطع على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشك، ولو أنه عليه الصلاة والسلام- قال:"لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة" لحفظه الله تعالى.
* وقال الشوكاني في "النيل"(٤/٣٦٠) : "وأيضاً الشك الواقع في الحديث مما يضعف الاحتجاج بأحد شقيه" أ. هـ.
الرابع: أنه منسوخ، قال أبو جعفر الطحاوي في "مشكل الآثار"
(٤/٢٠) : "فتأملنا هذا الحديث فوجدنا فيه إخبار حذيفة لابن مسعود أنه قد علم ما ذكره له عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتَرْك ابن مسعود إنكار ذلك وجوابه إياه بما أجابه في ذلك من قوله لهم: "حفظو" أي قد نسخ ما قد ذكرته من ذلك، وأصابوا فيما قد فعلوا. وكان ظاهر القرآن على ذلك وهو قول الله عز وجل (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) . فعمّ المساجد كلها بذلك، وكان المسلمون عليه في مساجد بلدانهم" أ. هـ.
الخامس: أن الحديث -إنْ صح- ومحمول على بيان الأفضلية: ذكره الكاساني في "البدائع"(٢/١١٣) وقال: "فأفضل الاعتكاف أن يكون في المسجد الحرام، ثم مسجد المدينة، ثم في المسجد الأقصى، ثم في المساجد العظام التي كثر أهلها" أ. هـ.
السادس: أنه لو ثبت رفع الحديث لما أجمعت الأمة على ترك العمل به: فلم ينقل عن أحد من الأئمة المتقدمين منهم والمتأخرين: أنه أخذ بظاهر هذا الحديث سوى رواية حذيفة -رضي الله عنه- فإن قيل: قد أخذ به سعيد ابن المسيب وعطاء؟
فالجواب: أن النقل عن سعيد قد اختلف كما تقدم في القول الخامس،