أحدها: أن يكون هذا خطابًا مع الذين يطيقونه فقط، ويكون التقدير: وأن تصوموا أيها المطيقون، وتحملتم المشقة فهو خير لكم من الفدية، وقد اختار هذا القاسمي في محاسن التأويل.
الثاني: أن هذا خطاب مع كل من تقدم ذكرهم، أعني المريض والمسافر والذين يطيقونه، وهذا أولى؛ لأن اللفظ عام ولا يلزم من اتصاله بقوله (وعلى الذين يطيقونه) أن يكون مختصًا بهم؛ لأن اللفظ عام ولا منافاة في رجوعه إلى الكل فوجب الحكم بذلك.
الثالث: أن يكون معطوفًا على أول الآية فالتقدير: كتب عليكم الصيام، وأن تصوموا خير لكم، والخير اسم تفضيل على غير قياس، وهو الحسن لذاته، ولما يحقق من لذة أو نفع أو سعادة، فالصيام حسن لذاته، ولما يحصل للمؤمن من المنافع واللذة الروحية والسعادة في الدنيا والآخرة.
ومعنى (إن كنتم تعلمون) أي: فضيلة الصوم وفوائده.
ومما سبق يتبين لنا أن الله سبحانه وتعالى قرر أن للصوم منافع وفوائد هي متحققة حتمًا على كل من افترضه عليه، من الأصحاء المقيمين، والذين يصومون بلا مشقة زائدة، وأن هذه الفوائد والمنافع تعم أهل الرخص إن صاموا، ما لم يتحقق الضرر، ولا منافاة -فيما نعلم- بين تقرير الله هذا، وبين قوله تعالى:(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) بعد قوله: (فمن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر) فاليسر هنا هو رفع الإلزام، وتشريع الرخصة، والعسر خلافه، قال القاسمي في محاسن التأويل: يريد الله بكم اليسر أي: تشريع السهولة بالترخيص للمريض والمسافر، وبقصر الصوم على شهر (ولا يريد بكم العسر) في جعله عزيمة على الكل، وزيادته على شهر.
إن المولى عز وجل قد بين أن ترك حرية الاختيار بين الصيام والفطر، للمرضى، والمسافرين، والمطيقين، مع حثهم على الصيام لفوائده وفضائله -والتي لا يعلمونها في الغالب- أن هذا هو التشريع الذي أراده لهم، وهو تشريع سهل ميسور، وأن في إبقاء فرضية الصيام على المرضى، والمسافرين،