إن العسر هو ما يصيب النفس من جهد شديد لا تتحمله عادة، فيجهدها ويثبط عملها، أو كل ما يصيب الجسم بضرر محقق أو ضعف يؤدي إلى ضرر، أو يفوت مصلحة راجحة. إن هذا العسر قد أبدلنا الله عنه بتشريع اليسر، وهو كل عمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم، وهو هنا الرخصة، وحرية الاختيار بين الصيام والإفطار، لمطلق من يسمى مريضًا، أو على سفر، أو شيخا كبيرًا في العادة وتظل قاعدة (وأن تصوموا خير لكم) ، برغم مشقة المرض أو السفر، أو ازدياد مشقة الحرمان من الغذاء للشيخ الكبير، ومن في حكمه تحت هؤلاء على الصيام ليجنوا منه الفوائد الجسدية والنفسية، وليكون العلم بأسرار الصيام وفوائده، معينًا لهؤلاء وميسرًا لهم تحمل هذه المشقات الاختيارية والممكنة، والناس متفاوتون في هذا، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
أما إذا حصل الضرر أو ترجح وقوعه، عاد التشريع إلى تحريم الصيام ووجوب الفطر، فهذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم في السفر ويفطر، ويقول لرجل سأله عن الصيام في السفر:"إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر".
وها هو ذا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوجب الفطر على الناس في سفر الحرب، حينما رآهم يتساقطون من شدة الحر، ويفطر أمامهم، ويأمر الناس جميعًا بالفطر، ويقول لمن صام منهم:"أولئك العصاة" أولئك العصاة"، وهو هو ذا أيضًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سافر مع أصحابه إلى مكة صائمين، فنزلوا منزلاً، فقال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهم! "إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم" فكانت رخصة، فمنهم من صام، ومنهم من أفطر، بعد أن كانوا جميعًا صائمين، ثم نزلوا منزلاً آخر فقال: "إنكم مصبحوا عدوكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا"، فكانت عزمة، فأفطروا، ثم قال راوي الحديث: لقد رأيتنا نصوم مع رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك في السفر.
فالصيام للمرض والمسافرين والمطيقين هو الأولى والأنفع، ما لم تضعف النفس عن لمحمل المشقة، أو يصيبها أو يصيب الجسد ضرر محقق أو متوقع، في الأولى تكون الرخصة، وفي الثنية تكون العزمة، ويستعين الإفطار، بهذا قال بعض أهل التفسير وجمهور الفقهاء كلما ذكرنا.