الأيام، ثم يختفي بعد ذلك، وقد شرح الدكتور (بريزتنس) ذلك بقوله: "إن الشعور بالتعب والإرهاق الذي يترافق مع الجوع هو حالة فيزيائية صرف، وبناء على تجارب عديدة أجريت في المخابر، فإن الصوم بحد ذاته لا يؤدي إلى هذه الأعراض، ولا إلى الآلام والضعف وخصوصًا في الأيام الأولى منه، وإنما ذلك يرجع إلى أسباب عديدة، ليس الصوم واحداً منها، وإن غياب هذه الأعراض مع استمرار الصوم، يبرهن على أن الصوم ليس له علاقة بذلك، وأهم هذه الأسباب: التوقف المفاجئ عن تناول المنبهات التي اعتاد المرء تناولها، والعادات السيئة في الطعام، وعلى رأسها الإسراف فيه، وقد وجد أن الأشخاص البدينين والذين يعيشون في حالة من الرخاء، هم الذين يشكون من هذه الأعراض أكثر من غيرهم، وفرق بين هذا، وبين الجوع الحقيقي الذي هو ظاهرة فسيولوجية، ونداءات للحصول على الغذاء الضروري للجسم، والذي لا يحدث إلا بعد نفاد جزء كبير من مخزون الغذاء في الجسم.
ولكن مع كل هذه الإمكانية الهائلة التي هيأها الله سبحانه للجسم الإنساني، في مقدرته على حفظ حياته، عند انقطاعه التام عن تناول الطعام، مع كل هذا، فقد فرض علينا سبحانه وتعالى صيامًا لا ننقطع فيه عن الطعام إلا فترة زمنية لا تتعدى -في الغالب- نصف يوم، فكم هي سهلة ميسورة! يمكن أن يمارس فيها الصائم أشق الأعمال وأشدها، من غير ضرر يلحق به، أو حتى شدة يتعرض لها، فالطاقة المحركة متوفرة وبكثرة، وبناء الخلايا وتجديد التالف منها لن يتأثر مطلقًا، فالمركبات الثلاثة الهامة: البروتينات، والكربوهيدرات، والدهون، يمكن أن يتحول كل منها للآخر داخل الخلايا، وتبنى منها جمع مركبات الخلية، وعليه فلن يتأثر أي عمل حيوي داخل الجسم، بل تستفيد كل أجهزة الجسم بالصيام، فينشط لمزيد من العمل والحركة، كما أن تناول الطعام في الفطور والسحور، يجدد مخزون الطاقة التي استهلكت في العمل، ويمد الجسم باحتياجاته من الأحماض الأمينية، والدهنية الأساسية، والتي لا يستطيع الجسم تصنيعها بداخله، ويمده أيضًا باحتياجاته اليومية من الفيتامينات والمعادن، والتي لابد له من الحصول عليها في الغذاء، وبذلك يستطيع الإنسان أن يصوم السنة