درجة وقت الغروب مثلاً: لكن الرؤية ليست مَضْبُوطة بدرجات محدودة، فإنها تختلف باختلاف حدة النظر وكلاله، وارتفاع المكان الذي يتراءى فيه الهلال، وانخفاضه، وباختلاف صفاء الجو وكدره، وقد يراه بعض الناس لثمان درجات، وآخر لا يراه لثنتي عشر درجة.
ولهذا تنَازع أهل الحساب في قوس الرؤية تنازعا مضطربا، وآلمتهم -كبطليموس-، لم يتكلموا في ذلك بحرف، لأن ذلك لا يقوم عليه دَليل حِسَابي، وإنما يتكلم فيه بعض متأخريهم، مثل كوشيار الدّيلمي، وأمثاله.
لما رأوا الشريعة عَلَّقت الأحكام بالهلال، فرأوا الحساب طريقًا تنضبط فيه الرؤية، وليست طريقة مستقيمة، ولا معتدلة، بل خطؤها كثير، وقد جرب، وهم يختلفون كثيرًا: هل يرى؟ أم لا يرى؟
وسَبَبُ ذلك: أنهم ضَبَطُوا بالحساب ما لا يعلم بالحساب، فأخطأوا طريق الصواب، وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع، وبينت أن ما جاء به الشَّرع الصَّحيح هو الذي يوافقه العقل الصَّريح، كما تكلمت على حد اليوم أيضًا، وبينت أنه لا ينضبط بالحساب؛ لأن اليوم يظهر بسبب الأبخرة المتَصَاعِدة، فمن أراد أن يأخذ حصة العشاء من حصة الفجر، إنما يَصِحُّ كلامه لو كان الموجب لظهور النُّور وخفائه مجرد محاذاة الأفق التي تُعلَم بِالحساب.
فأما إذا كان للأبخرة في ذلك تأثير، والبخار يكون في الشتاء والأرض الرطبة أكثر مما يكون في الصَّيف والأرض اليابسة، وكان ذلك لا ينضبط بالحساب، فسدت طريقة القياس الحسابي.
ولهذا تُوجد حصة الفجر في زمان الشتاء أطول منها في زمان الصيف.
والآخذ بمجرد القياس الحسابي يشكل عليه ذلك؛ لأن حِصة الفجر عنده تتبع النَّهار، وهذا أيضًا مَبسُوط في موضعه، والله سبحانه أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم (١) .