فإنه متى ثبت عنده بالطريق الشرعي وجوب الصوم والفطر، فإنه في الغالب لا يطلع على مستند هذا الحاكم الشرعي إلا من باشره من قاض ومباشر للقصة، ومن حضرها.
وأما من سواهم من أهل البلد، فضلاً عن أهل القطر، فضلاً عن بقية الأقطار، فإنما يصل إليهم الخبر بما يثبت به ذلك الخبر ويشاع من قالةٍ يتناقلونه أو نداء في الأمكنة المرتفعة وغيرها، أو رمي بمدافع ونحوها، أو ببرقيات ليصل الخبر إلى القريب والبعيد، فهذا عمل متصل جنسه في جميع قرون الأمة من غير نكير، وإن كان بعض أفراده لم تحدث إلا من قريب، كالبرقيات ونحوها، فعلم أن الأمة مجمعة على العمل بهذا النوع من الأدلة المعتادة.
ومما يدل على ذلك أن الاستفاضة في الأخبار من جملة الطرق الشرعية التي تفيد صدق مخبرها، حتى إن الفقهاء -رحمهم الله- جعلوا شهادة الشهود تارة تستند إلى ما يراه الشاهد ويسمعه من المشهود عليه، وتارة على ما يسمعه من أخبار الاستفاضة، فيشهد بما استفاض مستندًا على الاستفاضة، وقد ذكروا لذلك أمثلة كثيرة.
ومن المعلوم أن الاستفاضة الحاصلة من رمي المدفع ونحوه والبرقيات ونحوها، أبلغ بكثير من الاستفاضات المفيدة للعلم، خصوصًا وقد أيد ذلك شاهد الحال، واحتفت به القرائن الكثيرة التي تدل دلالة يقينية على ثبوت ذلك الخبر، وكذلك العادة المطردة، والعرف المستقر الذي جرى عليه الناس في بث هذه الأخبار مع قرينة تشوف الناس، والاشتباه في الوقت مع أن الإخبار بالرمي والبرق ونحوها من الأمور الرسمية التي لا يجرؤ عليها أحد من العامة، إلا عن طريق أمر الحكام وأولياء الأمور وإذنهم، فمتى عرفت الواقع، لم يبق عندك في ذلك الخبر شك، وعرفت أنه خبر يفيد العلم، وإذا كانت أخبار الآحاد إذا احتفت بها القرائن، أفادت العلم فكيف بمثل هذه الأخبار المستفيضة المؤيدة من الحكام الشرعيين؟!!
ومما يدل على ذلك من الأصول الشرعية: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لما قدم المدينة وتشاور المسلمون في تعيين أمر يعرفون به الوقت والحضور للصلوات الخمس في أوقاتها، فمنهم من أشار بالبوق، ومنهم من أشار بالناقوس، ومنهم من أشار بإيقاد النار، ومنهم من أشار ببعث من ينادي للصلاة والحضور إليها، فاختار الله سبحانه وتعالى هذا الأذان المبارك