الذي لا تعدُّ خيراته ومصالحه -ولله الحمد- والمقصود أنهم اتفقوا على أن هذه الأشياء التي ذكروها متى اتفق الناس على واحدٍ منها، أفادتهم العلم بدخول الوقت، وبعضها أصوات تسمع، وبعضها نار تشاهد، فعلم أنه قد تقرر عندهم حصول المقصود بها، ولكنهم يبحثون أيها أنسب، ومثل هذا لا يخفى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلو كانت هذه الأمور ونحوها لا يحصل بها العلم المطلوب الإعلام به، لأخبرهم بذلك، ولَما أقرهم على هذا البحث.
ونفس الأذان الذي اختاره الله للمسلمين لمعرفة دخول الوقت، هو من هذا القبيل، فإن المؤذنين ينادون في أوقات الصلاة بألفاظ الأذان وهي ثناء على الله، وشهادة له بالتوحيد، ودعاء مطلق للصلاة والفلاح، فيكون هذا كالتصريح بقولهم: دخل الوقت، ومسألة رمي المدافع، وإرسال البرقيات المعتمدة في الخبر عن ثبوت الأشهر، من هذا الجنس، وهي بسبب تحريرها والعناية التامة بها أقرب إلى الصواب؛ لأنها لا تكون إلا بعد الثبوت والتروي من الخبر الذي لا تردد فيه، وبعد أن يعتمد عليها ولاة الأمر وحكام الشرع، فالتحقيق بها أتم والغلط فيها أبعد.
يؤيد هذا: أن من قواعد الشريعة، أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وما يحصل المأمور أو لا يتم إلا به فهو مأمور، وهذه الأمور متى ثبتت عند أولياء الأمر، تعين عليهم أن يخبروا بها الناس ويبثوها بينهم، بحسب قدرتهم بأسرع وقت يمكن ليصوموا، ويفطروا، ويصلوا ويقيموا الأمور الشرعية.
ومن المعلوم أن الرمي، وإِرسال البرقيات، أبلغ من مجرد نداء المصوتين بثبوت الشهر، ويشيع الخبر بها بأسرع وقت، فأقل الحالات فيها أنها مستحبة، والقاعدة الشرعية تقتضي وجوبها مع القدرة عليها، إذا تباعدت الأقطار ولم يحصل المقصود إِلا بها.
هذا من جهتها في نفسها، وأما المبُلِّغُون المخبَرُون بها، فإنه يتعينَّ عليهم العمل بمضمون ما دلت عليه، من الصيام، والفطر، ودخول الأوقات وغيرها. ومما يدل على ذلك أن مقصود الإخبار بالرمي والإبراق ونحوه هو ترجمة وتعبير عما تقرر عليه الأمر عند أهل الحكم الشرعي، وهي ترجمة يفهمها كل أحد، لأنها تعبير عن أمر يتفق عليه