للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الشَّهَادَة عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَامَة جَعَلَهَا اللَّه تَعَالَى فِي قُلُوبهمْ لِيَعْرِف بِهَا الْمَلَائِكَة مَنْ يَمْدَحُ وَمَنْ يَذُمّ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالطَّبْعِ عَلَى قَلْبه أَنَّهُ يَصِير قَلْبه قَلْبَ مُنَافِق، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي حَقّ الْمُنَافِقِينَ: {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: ٣] . قَوْلُهُ: (ثَلَاثَ جُمَع) يُحْتَمَل أَنْ يُرَاد حُصُول التَّرْك مُطْلَقًا سَوَاء تَوَالَتْ الْجُمُعَات أَوْ تَفَرَّقَتْ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ فِي كُلّ سَنَة جُمُعَة لَطَبَعَ اللَّه تَعَالَى عَلَى قَلْبه بَعْد الثَّالِثَة وَهُوَ ظَاهِر الْحَدِيثِ، وَيُحْتَمَل أَنْ يُرَاد ثَلَاثُ جُمَع مُتَوَالِيَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، لِأَنَّ مُوَالَاة الذَّنْب وَمُتَابَعَته مُشْعِرَة بِقِلَّةِ الْمُبَالَاة.

قَوْلُهُ: (تَهَاوُنًا) فِيهِ أَنَّ الطَّبْع الْمَذْكُور إنَّمَا يَكُون عَلَى قَلْبِ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ تَهَاوُنًا، فَيَنْبَغِي حَمْل الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَة عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمُقَيَّد بِالتَّهَاوُنِ، وَكَذَلِكَ تُحْمَل الْأَحَادِيث الْمُطْلَقَة عَلَى الْمُقَيَّدَة بِعَدَمِ الْعُذْر كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَة مِنْ فُرُوض الْأَعْيَان. وَقَدْ حَكَى ابْنِ الْمُنْذِر الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّهَا فَرْض عَيْن. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْجُمُعَة فَرْض بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة.

وَقَالَ ابْنُ قَدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْجُمُعَة. وَقَدْ حَكَى الْخَطَّابِيِّ الْخِلَاف فِي أَنَّهَا مِنْ فُرُوض الْأَعْيَان أَوْ مِنْ فُرُوض الْكِفَايَات، وَقَالَ: قَالَ أَكْثَر الْفُقَهَاءِ: هِيَ مِنْ فُرُوض الْكِفَايَات، وَذَكَرَ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَوْل لِلشَّافِعِيِّ، وَقَدْ حَكَاهُ الْمَرْعَشِيُّ عَنْ قَوْلُهُ الْقَدِيم، قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَغَلَّطُوا حَاكِيَهُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: لَا يَجُوز حِكَايَة هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَلِكَ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ حِكَايَة بَعْضهمْ وَغَلَّطَهُ.

قَالَ الْعِرَاقِيُّ: نَعَمْ هُوَ وَجْه لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ الْخَطَّابِيِّ مِنْ أَنَّ أَكْثَر الْفُقَهَاءِ قَالُوا: إنَّ الْجُمُعَة فَرْض عَلَى الْكِفَايَة فَفِيهِ نَظَر، فَإِنَّ مَذَاهِبَ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة مُتَّفِقَة عَلَى أَنَّهَا فَرْض عَيْن لَكِنْ بِشُرُوطٍ يَشْتَرِطهَا أَهْل كُلّ مَذْهَبٍ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَحَكَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ شُهُودهَا سُنَّة، ثُمَّ قَالَ: قُلْنَا: لَهُ تَأْوِيلَانِ: أَحَدهمَا: أَنَّ مَالِكًا يُطْلِق السُّنَّة عَلَى الْفَرْض.

الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ سُنَّة عَلَى صِفَتهَا لَا يُشَارِكهَا فِيهِ سَائِر الصَّلَوَات حَسَب مَا شَرَعَهُ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَعَلَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: " عَزِيمَة الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ " انْتَهَى. وَمِنْ جُمْلَة الْأَدِلَّة الدَّالَّة عَلَى أَنَّ الْجُمُعَة مِنْ فَرَائِض الْأَعْيَان قَوْل اللَّه تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: ٩] . وَمِنْهَا حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ الْآتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعَدَ هَذَا. وَمِنْهَا حَدِيثُ حَفْصَةَ الْآتِي أَيْضًا. وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فَالنَّاسُ لَنَا تَبَعٌ فِيهِ» الْحَدِيثَ. وَقَدْ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ فَرْضِيَّة صَلَاة الْجُمُعَة وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ فَرْض الْجُمُعَة، وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَالْحَافِظُ بِأَنَّهُ يَدُلّ عَلَى الْفَرْضِيَّة،

<<  <  ج: ص:  >  >>